مقالات

تركيا و”إسرائيل”: هل يكتمل مسار تطوير العلاقات؟

سعيد الحاج الجزيرة

بعد لقائه مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وتطبيع العلاقات مع الإمارات، والذي مثّل ذروة مسار تحسين علاقات تركيا مع محور السعودية – الإمارات – مصر (والبحرين)، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن خطوات “قوية” مماثلة سوف تخطوها بلاده مع “كل من مصر وإسرائيل”.

وهو تصريح وضع دولة الاحتلال في وضع مشابه لدول المحور المذكور، والذي وقف مع تركيا على طرفَيْ نقيض في معظم قضايا وملفات المنطقة خلال السنوات الثماني الماضية على وجه الخصوص. إلا أن دولة الاحتلال تمثل حالة خاصة مختلفة عن تلك الدول، من حيث تاريخ العلاقات معها وكذلك أسباب تراجعها في السنوات الأخيرة، مما قد يجعل مسار تحسين العلاقات معها كذلك مختلفاً.

الدوافع

تشترك “إسرائيل” مع دول المحور المذكور في تراجع علاقاتها مع تركيا خلال السنوات الماضية، وأنها تنسق معها بعض المواقف لا سيما المتعلقة بملف غاز شرق المتوسط من خلال المنتدى الذي أنشئ لهذا الهدف وتجاهل أنقرة وحقوقها. لكنها أيضاً تختلف عنها بشكل جذري في أسباب الخلاف وتمظهراته.

ذلك أن تدهور العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”، بعد تطبيعها في 2016، أتى في 2018 لأسباب تتعلق بسياسات الاحتلال والقضية الفلسطينية وتحديداً الاعتداء على الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة وقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس في عهد ترامب، وليس تداعيات ثورات الربيع العربي بشكل مباشر كما مع تلك الدول.

وبخصوص مسار تطوير العلاقات، ثمة مشتركات لـ “إسرائيل” مع الدول العربية المذكورة، ولكن أيضاً هناك ما هو خاص بها.

فالأسباب التي تدفع نحو تطبيع العلاقات وتحسينها مع مختلف الأطراف في المنطقة والعالم (بما في ذلك أرمينيا مؤخراً) مشتركة بينها، جميعاً وتضم توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها الإقليمية ومن ذلك موقفها السلبي من أردوغان/تركيا، والقضايا الإقليمية التي استنزفت جميع الأطراف في المنطقة دون نتائج نهائية حاسمة لصالح طرف على آخر.

كما أن هناك من الأسباب ما يتعلق بتأثيرات جائحة كورونا على اقتصادات المنطقة، وخصوصاً الاقتصاد التركي الذي يمر بأزمة منذ 2018 ثم أضيف لها مؤخراً تراجع قيمة الليرة بسبب السياسات النقدية المعتمدة، وكذلك قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية والتي توصف بالحاسمة والمصيرية، وكذلك إنجازات السياسة الخارجية التركية في 2020، مما يدفع أنقرة للتهدئة والاستثمار السياسي أكثر من التصعيد.

بيد أن هناك أسباباً ودوافع خاصة بدولة الاحتلال على رأسها اثنان. الأول خصوصية العلاقة بينها وبين الإدارة الأميركية، ونظرة أنقرة للعلاقات معها على أنها أحد مفاتيح العلاقة مع واشنطن، التي لا تحمل الكثير من الود مؤخراً تجاه تركيا عموماً وأردوغان على وجه الخصوص، بما في ذلك الدعوة لإسقاطه ودعم المعارضة وفرض العقوبات عليها وإخراجها من مشروع مقاتلات إف-35 F-35 بشكل نهائي.

والثاني يتعلق بملف شرق المتوسط وتوزيع الثروات فيه. ذلك أن هذا الملف بات مؤخراً أحد أهم أولويات السياسة الخارجية التركية لما له من دلالات وارتدادات إستراتيجية تتعلق بالتنافس مع الخصم التقليدي اليونان، وأمن الطاقة، وكذلك التنافس الجيوسياسي في المنطقة. ومن هذه الزاوية، تسعى أنقرة مؤخراً لخلخلة التحالف المواجه لها في هذا الملف، والبحث عن شركاء يمكن الاتفاق معهم على ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بما يدعم السردية التركية ويدحض مطامع أثينا، أسوة بما تم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في 2019، ويبرز هنا طرفان مرشحان لهذا الأمر: مصر و”إٍسرائيل”.

محفزات ومعيقات

وعليه، يمكن القول إن الرغبة التركية في تحسين العلاقات مع تل أبيب قائمة وملموسة، بل ومن الدلائل عليها وصولها العام الماضي لمرحلة تعيين سفير فيها واختيار الاسم وفق تقارير إعلامية، إلا أن الأمر لم يتم في حينها. مما يعني أن الأمر متعلق بالقرار السياسي لدى الطرفين، والذي يحاول الموازنة بين المكاسب والخسائر، أو بكلام أدق يتحرى التوقيت الأفضل لتعظيم مكاسبه، من خلال الموازنة بين محفزات تحسين العلاقة ومعيقاتها.

فمن المحفزات، إضافة لما ذكر من أسباب وظروف دولية وإقليمية ومحلية، مجيء هذا المسار في سياق أو بُعيد تطور العلاقات بين تركيا والدول العربية الإقليمية المذكورة، وواقع العلاقات التركية الأميركية في الوقت الراهن، وموقف “إسرائيل” المتغير مؤخراً من تركيا بخصوص غاز شرق المتوسط والذي عبرت عنه بـ”أملها بانضمام تركيا قريباً لمنتدى غاز شرق المتوسط”، وتطورات أزمة قره باغ والقوقاز بشكل عام، حيث اجتمع الطرفان العام الماضي على دعم أذربيجان التي تسعى للوساطة بينهما.

ومنها كذلك سقوط نتنياهو وحكومته وتشكيل حكومة جديدة لدى الاحتلال، حيث كانت أنقرة تحمله وحكومتَه مسؤولية تردّي العلاقات بين الجانبين، مما يجعل القيادة “الإسرائيلية” الجديدة “فرصة” لتحسين العلاقات دون حرج كبير أو بكلمات أخرى سبيلاً للنزول عن الشجرة بأقل الأضرار.

في المقابل، مما يعيق تطور العلاقات بين الطرفين الشروط التي أعلنها كل منهما على الآخر. إذ يكرر قادة الاحتلال أن علاقة تركيا بحركة حماس وإذنها ببقاء بعض قياداتها على أراضيها من معوّقات العلاقة، وأن على تركيا التراجع عن ذلك إن أرادت تحسينها.

كما سرد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو 5 شروط لبلاده لتحسين العلاقات مع الاحتلال، هي وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتراجع عن الخطوات التي تستنزف حل الدولتين، والعودة إلى مباحثات السلام مجدداً، ووقف بناء المستوطنات غير الشرعية وسلب الأراضي الفلسطينية، والكف عن الإجراءات التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في القدس.

ومن المعيقات كذلك انتقادات تركيا لسياسات الاحتلال وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، وتصريحات عدد من قياداته بأن هذه الانتقادات -الحادة في كثير من الأحيان- ستستمر حتى ولو تقدمت العلاقات مع تل أبيب. ومنها كذلك نظرة كل طرف للآخر، إذ لم تعد العلاقات بينهما كما كانت في السابق، بل إن عدداً من التقارير “الإسرائيلية” باتت تصنف أنقرة مؤخراً ضمن التهديدات التي تواجه دولة الاحتلال في المنطقة.

وأخيراً، من المعيقات ملف الغاز كذلك، فإسرائيل وإن كانت تمثل لتركيا شريكاً محتملاً في المستقبل فهي منافس وخصم في المرحلة الحالية وضمن المحور المواجه لها في شرق المتوسط. ولذلك فملف الغاز قد يقرب الجانبين لاحقاً لكنه يبعدهما الآن. كما أن أنقرة قد تجد ضالتها في موضوع الشراكة والاتفاق بخصوص الغاز في القاهرة، مما سيقلل من أهمية تل أبيب بالنسبة لها، والعكس صحيح.

خاتمة

في الخلاصة، يبدو أن التطورات الإقليمية والدولية سالفة الذكر تدفع كافة الأطراف في المنطقة للتهدئة أولاً ثم الحوار والتقارب لاحقاً، وتركيا و”إسرائيل” ليسا استثناءً في هذا الإطار.

ولذلك يمكن القول إن قراراً مبدئياً بتحسين العلاقات قد اتخذ لدى الجانبين، وبات الأمر متعلقاً بالتوقيت والإخراج والتسويق الداخلي في المقام الأول، ثم بتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر.

ولعل التطورات الأخيرة المتمثلة بإطلاق تركيا سراح شخصين “إسرائيليين” أوقِفا بتهمة التجسس والاتصالات التي أجريت بين أردوغان ورئيس دولة الاحتلال ورئيس وزرائها واللغة المستخدمة خلالها من المؤشرات على قرب اتخاذ خطوة إعادة السفراء. حيث إن ثمة توقعات في أنقرة بأن يحصل ذلك بحلول منتصف العام 2022.

ولئن كان من غير المتوقع، وفق المعطيات الحالية، أن يكون التقارب بين الجانبين على حساب المواقف والرؤى في مجمل قضايا المنطقة ومنها القضية الفلسطينية، كما هو الحال في التقارب بين تركيا وبعض الدول العربية، إلا أن التقارب سيكون له استحقاقاته على الطرفين وسيقدم كل منهما للآخر شيئاً مما كان يطالب به كمقدمة لتطوير العلاقات وتحسينها، أو على أقل تقدير أن تكون عودة السفراء خطوة أولى في هذا المسار بحيث تتبعها لاحقاً خطوات أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى