أزمة إدارة قرار المقاومة الفلسطينية في المواجهة الأخيرة

الديوان | هيئة التحرير
ألقت الأحداث الأخيرة في غزة بظلالها على الرأي العام الفلسطيني، حيث أثار شكل وطبيعة المواجهة ودور مختلف الفصائل فيها جدلا واسعا على المستوى الشعبي، سواء المؤيد أو المعارض لنهج المقاومة وفصائلها، وبدت “إسرائيل” وكأنها نجحت في دق إسفين بين مكونات المقاومة الفلسطينية الأساسية، وظهرت ولأول مرة مند سنوات غرفة العمليات المشتركة التي شكلتها قوى المقاومة وكأنها معطلة وعاجزة عن العمل والتأثير، فقد كان الأداء مرتبكا، ما مهد الطريق أمام الاحتلال لتكثيف عدوانه الذي أدى إلى ارتقاء 34 شهيدا وعشرات الجرحى، فيما ظهر رد المقاومة -وعلى غير عادته- غير مكافيء لحجم الجرائم “الإسرائيلية”
يعد قطاع غزة بيئة تحكمها الكثير من التعقيدات التي تفرض خصوصية في التعاطي مع أي طارئ؛ فتعدد الفصائل المسلحة التي تقاوم الاحتلال وما يتطلبه من تنسيق وانسجام في التوجهات، بالإضافة إلى أنها منطقة جغرافية محتلة وتقع تحت الحصار منذ سنوات، وتتعرض لاعتداءات مستمرة من قبل الاحتلال خصوصا على مسيرات العودة، ناهيك عن النفوذ الإقليمي لإطراف عدة تحاول أن يكون لها موطئ قدم في غزة، وما تلعبه السلطة الفلسطينية من دور غير إيجابي تجاه القطاع، مع عدم وجود سلطة متفردة في إدارته، كل هذه العوامل مجتمعة تفرض الحذر الشديد في اتخاذ قرارات تتعلق بمواجهة الاحتلال انطلاقا من القطاع، ومراعاة أن القرار يتطلب حسابات دقيقة لأبعاد الأمور المختلفة.
ما جرت عليه العادة أن حالة من الانسجام والتوافق بين مختلف الفصائل لا سيما الأجنحة العسكرية فيما يتعلق بالمقاومة ومواجهة الاحتلال، فالعوامل السالفة الذكر تؤكد أن التصرف المنفرد من قبل أي جهة أو طرف من أطراف المقاومة سيؤدي بالأمور إلى أزمات كارثية على القطاع وأهله، هما في غنى عنها، من هنا تأتي أهمية التوافق في قرار الحرب والسلم في إطار غرفة العمليات المشتركة التي تعمل على تنسيق جهود المقاومة.
أجنحة المقاومة تتعامل بتكتيكات عسكرية واضحة تستند إلى إجماع وطني، وخلاف ذلك يقود القطاع إلى دفع أثمان باهظة دون جدوى، ويعطي العدو فرصة لتنفيذ أجنداته وفرض رؤيته في المواجهة.
المعركة والمقاومة وحسابات الحرب ليست مبنية على مزاج خاص، حتى أنه لا يجوز أن يكون رأيا لطرف دون الأطراف الأخرى، بقدر ما ينبغي أن يتخذ وفق قراءة علمية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار البيئة الداخلية والإقليمية والتوقيت والامكانات الذاتية وإمكانات العدو وحساباته، حتى لا تشكل في حالة أو توقيت ما إنقاذا للعدو وإحراجا للذات؛ ففي اللحظة التي يعيش فيها الاحتلال أزمة سياسية غير مسبوقة ويعجر عن تشكيل حكومته رغم إجرائه الانتخابات مرتين، ومن غير المستبعد أن يقوده الانغلاق السياسي إلى إجرائها مرة ثالثة، وتلوح في الأفق فرصة لانفراج في الوضع الداخلي الفلسطيني، وتبذل الفصائل مجتمعة جهودا حثيثة للتوافق على إجراء الانتخابات العامة علها تخرج الفلسطينين من مأزق الانقسام الذي طال أمده، كان لا بد من الانتباه أن العدو يسعى لجرنا إلى معركة تخرجه من أزمته الداخلية وتساهم في استمرار أزمتنا الوطنية.
يمكننا أن نخلص إلى أن المواجهة الأخيرة أثبتت لأطراف عدة، داخلية وخارجية، أن الجهة التي تدير القطاع وهي حركة حماس، هي التي لديها الامكانات الموضوعية والذاتية التي تجعلها قادرة على اتخاذ القرار الأنسب لشكل وتوقيت ومدى المواجهة، ذلك أنها أضحت تمتلك الخبرة الكافية والعلاقات والمعلومات الضرورية لتقدير الموقف على وجه دقيق، وإدارة المعركة بما يخدم المصالح الوطنية فقط، ويفوت الفرصة على العدو، ويحول بينه وبين تنفيذ أهدافه وتحديد مسارات المواجهة متى شاء وكيفما شاء. كما أن قطاع غزة أثبت أن معاركه التي يخوضها وأدارتها هي شأن فلسطيني خالص، وأن قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على التدخل في قرارات الحرب والتهدئة في القطاع هامشية وغير ذات أثر، فالقطاع ليس أداة لأي طرف سواء محلي أو اقليمي، بل يخوض معاركه لأهداف فلسطينية محضة. هذه الرسائل إذا ما أحسن قراءتها والتعامل معها فإنها كفيلة بأن تجنب قطاع غزة مواجهات عدة في المستقبل، تكون مبنية على مراهقة سياسية أو انفلات في القرار، أو تدخل لقوى خارجية.