دراساتفكر

السياسة والأخلاق وإشكالية العلاقة بينهما في سياقات الحالة التونسية بعد الثورة

 د. محمد التومي | باحث وأكاديمي تونسي) مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية


ملخّص:

يعتبر تخليق الحياة السياسية مدخلا أساسيا لتأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن العام وتهذيبه من خلال إرساء قيم الشفافية، والنزاهة، والاستقامة، ومحاربة الرشوة والفساد، وإخضاع المسؤولين لمحاسبة الرأي العام، وسيادة القانون واحترام الدستور من أجل إرساء القواعد الرئيسة لنظام الحكم الديمقراطي القائم على تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرار ، وتقوية رابطة المواطنة بين الناس وما يرتبط بذلك من إجراءات على الأرض ومؤسسات وقواعد لتحقيق تنمية أفضل للديمقراطية، وتكريسها منهجا سياسيا عقلانيا لإدارة أوجه الاختلاف في وجهات النظر وتعارض المصالح بشكل سلمي ومقبول، بما يمكن من تحقيق مشاركة سياسية فعالة في اتخاذ القرارات، و تحديد الخيارات والبرامج الأساسية للدولة من قبل المواطنين، بناء على قاعدة المواطنة الكاملة المتساوية، وسيادة القانون كأسمى تعبير عن إرادة المواطن، وعدم الجمع بين السلطات، وتوفير ضمانات الحريات الأساسية، وجعل المؤسسات الدستورية المنتخبة تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة ،حتى يمكن تدبير الشأن العام يتسنى ويتعزز انخراط المواطنات والمواطنين في الحياة العامة.

مقدمة:

إن تحقيق الغرض من تخليق الحياة السياسية في تونس الثائرة و هو القائم على تمكين المواطنين من المشاركة في  صنع السياسات العمومية والقرار السياسي، من خلال التداول السلمي على السلطة والتسليم الفائز دون عقد، وحق كل القوى السياسية في التنافس السياسي المفتوح و المتعارض مع احتكار السلطة، يجعل الأنظمة الديمقراطية تراكم مجموعة من الممارسات الفضلى في مجال تخليق الحياة العامة من أجل نفس جديد للديمقراطية في هذه الدول، وضمان اشتغال جيد لهذه المساحات وإعطاء نـفس جديد للمؤسسات الدستورية والسياسية، وتفادي أزمة الثقة في الدولة ومؤسساتها بفعل فضائح بعض مكونات الطبقة السياسية فيها سواء من السيستام الذي عفا عنه الزمن بسبب تعنّته وتكلّس أساليبه في الدعاية وغياب البرامج الفاعلة وغلبة المصلحة الحزبية والفردانية والتطاوس على المواطن بمجرد أخذ صوته دون غضاضة في السبل الموصلة إليه ولو بالمال أو بسدّ الرمق من الجوع الكافر،أو من اليسار المتمترس وراء شعارات عفا عنها الزمن أو كاد، همه استئصال طرف سياسي ولو كلفه ذلك ضياع وطن وقد جرّبوا ذلك لما استأسدوا بالجنرال الهارب ومارسوا صلفهم المقيت على شعب النهضة خلال عشريتين ونيف. ولكن الغريب أنهم ما زالوا في  يسبحون في خيالات حتى أصبحت الحياة السياسية ميدانا للتطاحن والسباب.

1/  الأخلاق السياسية في دستور الثورة:

لقد رضي منتسبوا حركة النهضة، رغم الضيم الذي لحقهم، بأن تكون الدولة بلبوسها الجديد حكما بينها وبين خصومهم قبلوا طائعين ولكن خصومهم من الجلادين وهادري شرفهم على مذبح الحرية كابروا ورفضوا طلب العفو واعتبروا ذلك مخلا بكبريائهم، بل هددوا بإحراق الدولة إذا أصرّ الخصوم على مطالبهم ، ولم يكتفوا بذلك بل اعتبروا أن النهضة ورأسها من القائمين عليها متهمون بقتل بلعيد والبراهمي وأن الجهاز السري المزعوم هو الفاعل، ولكي يقنعوا الناس نصبوا المحاكم على الأشهاد في بلاتوات انتدبوا لها أعتى الخصوم ، سبا وشتيمة ومسّا بالمقدس والتابو وفي مجلس النواب منعوا قيام محكمة دستورية تسهر على سير القوانين وتأويل ما استشكل منها تطبيقا، وتفاديا لإعادة النظر في أسس العقد الاجتماعي الذي ارتبك بسبب تعنت فئة اجتماعية مارقة لا تقيم وزنا للهوية ولا لتاريخ الشعب، تم الدعوى إلى تعزيز انخراط المواطنين في الحياة الديمقراطية من خلال التأكيد على ضرورة التزام وانخراط كل المسؤولين العموميين سواء كانوا منتخبين أو أعضاء في الجهاز التنفيذي أو في الإدارات العمومية التابعة له في مجموعة من القيم الجماعية الأساسية، نحو: الشفافية، والعدالة الاجتماعية، والنزاهة، والاستقامة، ومحاربة الرشوة والفساد، والوقاية من تنازع المصالح كمعايير ضرورية لإدارة الشأن العام وتدبيره.

 ولعل الفرصة التي أعطاها الشباب للسياسيين هذه المرة للاهتمام بتخليق الحياة العامة في إطار مواصلة الانخراط في دينامية الإصلاحات الديمقراطية التي من شأنها تفعيل مقتضيات دستور الثورة المجيدة ،إذ أشار لأول مرة إلى تخليق الحياة العامة من خلال إلزام السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. و كذلك معاقبة الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية الى إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تتولى مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة . في ذات السياق، فإنّ أعوان المرفق العمومي يمارسون وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة كما ألزم الدستور أيضا كل شخص، منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها، وعند انتهائها وتناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات عمل القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، على تحديد المهام والانتدابات الانتخابية والوظائف التي تتنافى مع الوظيفة الحكومية، وكذلك الأنشطة الخاصة التي قد تؤدي الى تنازع المصالح، وكذلك كيفيات التصريح الكتابي بالممتلكات والأصول التي في حيازة أعضاء الحكومة . كما تجدر الإشارة إلى أن قواعد تخليق الحياة العامة شملت البرلمانيين كذلك، بناء على أحكام القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، إذ لا بدّ من تحديد كيفية تجريد كل عضو من صفته النيابية في المجلس عندما يتخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، حتى نقضي على ما يسمى بالسياحة الحزبية القائمة على شراء الذمم والأصوات لمن يدفع أكثر، حتى ظننا أن المجلس النيابي أصبح فرصة للتربح وملاذا للمخالفين والمتهربين من الضرائب والمجرمين في حق الشعب من أصحاب المؤسسات المشبوهة مثل مصانع الأدوية وغيرها من مشتقاتها التي تقوم بدور تبييض الأموال وتسليم المواطنين من المرضى والمعوزين إلى الموت البطيء غير الرحيم.  كما يتضمن كذلك، مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية التي تقوم أيضا على ترسيخ قيم المواطنة، وإيثار الصالح العام، والمسؤولية والنزاهة، والالتزام بالمشاركة الكاملة والفعلية، في جميع أشغال البرلمان، واحترام الوضع القانوني للمعارضة البرلمانية ولحقوقها الدستورية…. حتى يكون البرلمان فضاء أكثر مصداقية وجاذبية حقانية بعيدة عن المهاترات، كل ذلك من شأنه أن يحقق المصالحة مع كل من أصيب بخيبة الأمل في العمل السياسي وجدواه في تدبير الشأن العام وأنهك في تتبع سراب الإصلاح ومقاومة الفساد ووضع المسائل العالقة على الطاولة ومصارحة الشعب بالعابثين الذين يضعون العصيّ في الدواليب حتى لا تسير الأمور في غير الاتجاه الذي يريدون وقد أفلح العابثون بأمن الوطن فأقاموا مسرحيات باسم الإرهاب سقط فيها أبرياء وهم لا يزالون في استعداد بأن يفعلوا الكثير من أجل إبقاء الحال على ما هو عليه دون أن تتضرر مصالحهم. ولعل بعضهم تسرّع في اصداحه بأن “قيس سعيد” هذا الرئيس القادم من رحم الشعب غير قادر على إدارة الشأن العام حسب رأيهم لأنه من خارج السيستام ومن خارج الجغرافيا التي تلد الحكام.

إن انتخاب هذا الأستاذ الجامعي يمثل إرادة جماعية يقودها الشباب الجامعي من المعطلين واليائسين من السيستام وأضرابه من معارضة اليسار العابث ولكنها إرادة تظل منقوصة غير ذات جدوى إذا لم تلحقها خطوة أخرى في الطريق الصحيح وهي أن يُنتخب له حزام برلمانيّ يستطيع إنفاذ البرامج، ولا يمكن أن يكون هذا الحزام خارج حركة النهضة على ما أعتقد وأومن، لأنها الوحيدة التي ظلت قائمة تنضح السيل المتراكب أمام الثورة والثوار  وتهدئ من احتدام القرف وسطوة الظالم انتظارا لانبجاس فجر جديد.

2/ العدل أساس العمران … شعار المرحلة:

يقول ابن خلدون في سياق لا يختلف كثيرا عن واقعنا السياسي المرهق بأعباء المصلحة وعدم احترام الأخلاق والعدل بين الناس في إدارة الشأن العام: “صارت الدول لا باع لها إلا في تسخير الناس بغير حق، وتصريف الآدميين طوع الرغبات والشهوات، وإرهاق التجار بالمغارم والمكوس الجائرة، وغير ذلك من آيات الظلم الذاهب بأسباب الرجاء والانشراح، المؤذن بخراب العمران، العائد بالوبال على دوائر السلطان”.

إن ما دفعنا إلى طرق هذا الموضوع هو التأمل في شعار  حزب حركة النهضة الذي أعلته في حملتها الانتخابية شعارا للمرحلة، وهو شعار لعمري يفي بمستحقات مرحلة دقيقة من تاريخ السياسة التونسية التي تمرّ  بامتحان خطير يتمثل في انكشاف عورات الأحزاب الفاعلة التي تدعي الحداثة والتحديث شعارا  وتتخذ من اتهام حركة النهضة بالإرهاب والجهاز السري والتنصّل من المسؤولية السياسية والمحاباة وسرقة المال العام وغيرها من التهم التي باتت معلومة، ولكن كل هذه التهم كانت مجرّد غطاء لخيباتها وقد انكشف أمر هذه الأحزاب جميعا من خلال ما أعطاها الصندوق الانتخابي الذي مثل ثورة حقيقية في المرحلة الانتخابية الأولى لرئاسة الجمهورية ومن المفترض أن يكمل الشعب كنس المنظومة القديمة المتمثلة في السيستام العقيم الذي استولى عليه كل ذي مصلحة من اليسار  الكافياري .

لقد ساهم الصراع العلني بين هؤلاء الفرقاء السياسيين في تعكير الأمزجة بين الفاعلين السياسيين عموما وامتدت ريحها إلى أنوف العامة من الناس تزكمها والأسماع تشوشها وذلك بسبب التدنّي غير المسبوق في الأخلاق السياسية والتعامل بين الفرقاء حتى ليظن الناس أنهم وصلوا إلى طريق مسدودة وما بقي إلا أن يعلنوا الحرب بينهم بل إن فريقا منهم ونخصّ أقصى اليسار وبعض القومجية والوصوليين من أصحاب المصلحة الذين لا عقيدة سياسية تربطهم غير احتلاب أجهزة الدولة والتهرب الضريبي واستغلال المنصب في قضاء الشؤون الخاصة دون مراعاة تعطل المرافق العمومية وقضاء شؤون الناس من الفقراء والمعدمين. حتى زاد الغنيّ غنى وازداد الفقير فقرا.

إن موضوع السياسة والأخلاق وإشكالية العلاقة بينهما في سياقات الحالة التونسية  يبين عن مشاكل نجد جذوره في اختلاف المرجعيات الفكرية المؤطرة لهؤلاء الفاعلين السياسيين وفي اختلاف نظرة كل واحد منهم إلى مفهوم السياسة وإلى مفهوم الأخلاق العامة التي تضمن القسط الأدنى للتعامل وإقامة العدل بمفهوم ابن خلدون لأن ما دونه الخراب. وقد أفلح حزب حركة النهضة في جعل ملفوظ ابن خلدون “العدل أساس العمران” شعار المرحلة القادمة، منطلقا لإقامة السياسة بمفهوم ابن خلدون الذي يغلب الإصلاح في سياسة الناس، وهو المبدأ المركزي في السياسة الخلدونية.

والمعلوم إنّ التعريفات التي قدّمت لمفهوم السياسة تأثرت بالبيئة الفكرية والمذهبية وبالمرجعيات الإيديولوجية المختلفة، ولذلك فإن هناك الكثير من التعريفات السائدة، لكنها في معظمها تتمحور حول مفهوم السلطة، باعتبارها ضرورة من ضرورات التنظيم الاجتماعي وباعتبار ارتباطها بالتأثير والنفوذ والتحكم في الموارد وما تجلبه من مكاسب وامتيازات مادية ومعنوية…في التراث العربي الإسلامي نعثر على تعريفات أخرى للسياسة من قبيل أن “السياسة هي ما كان الناس معه أبعد عن الفساد وأقرب للصلاح..” (بن عقيل الحنبلي) أو أن “السياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه” (ابن خلدون). هذه التعريفات تقرن مفهوم السياسة بمفهوم الإصلاح، أكثر منه بمفهوم السلطة والتحكم.. أما عن مفهوم الأخلاق فإن الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه عليه السلام:”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا…” يلخّص المعنى المراد في هذا المجال . وإن الملفت للانتباه في هذا الحديث هو الربط بين الإيمان والأخلاق، بل إن الأخلاق الحقيقية هي التي تتأسس على الإيمان، وكلما اكتمل إيمان الفرد وتعمق فهمه لقضاياه كلما تحسنت أخلاقه وارتقت إلى درجة أحسن..

أما عن إشكالية العلاقة بين الأخلاق والسياسة، فإن المذهب الواقعي في السياسة الذي أسسه ميكيافيلي ولازال حاضرا في الحياة السياسية المعاصرة يجرد السياسة من أي اعتبارات أخلاقية، ولازالت نصائحه المدونة في كتاب الأمير ملهمة لكل من يريد أن يمارس السياسة بغرض الحصول على السلطة والمحافظة عليها ويسعى لممارسة القوة والنفوذ، غير أن ميكيافيلي الذي نجح على صعيد الفكر والتنظير فشل فشلا ذريعا في عالم السياسة والسلطة، وهذا هو الجانب المجهول عند كثير من الناس في حياة الرجل.. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن كتاب الأمير من أشد الكتب تأثيرا في التاريخ السياسي للبشرية، فقد قرأه فلاسفة الأنوار وعندما تربع “نابليون بونابارت” على الإمبراطورية الفرنسية وهو المتأثر بالأنوار، لم يتردد في قراءته والاستفادة منه،  وتأثر به فريدريك ملك بروسيا، وبسمارك، وقد اتسعت هذه الحلقة في القرون الحديثة، فقد اختاره موسوليني في أيام تلمذته موضوعا لأطروحته التي قدمها للدكتوراه، وكان هتلر يضع هذا الكتاب على مقربة من سريره ليقرأ منه كل ليلة قبل أن ينام، كما جاء في “كفاحي”، ولا يدهشنا قول ماكس ليرنر في مقدمته لكتاب “خطابات” إن لينين وستالين أيضا قد تتلمذا على يد ميكيافيلي..وكذلك فعل الزعماء العرب، فقد ذكر حسنين هيكل في كتابه “كلام في السياسة”، علاقة الملوك العرب بهذا الكتاب، ومنه فصل دال بعنوان “الحسن الثاني قرأ الأمير أميرا وطبقه ملكا”، وكذلك فعل الأمير حسين، بحسب ما يرويه هيكل دائما.

 

خاتمة:

  إن الأخلاق بعمقها الإيماني هي أساس الممارسة السياسية بمفهومها الإصلاحي، أي أن السياسة التي تقترن بمفهوم الإصلاح لا يمكن أن تتطور إلا بالاستناد على الأخلاق، والأخلاق بدورها لا يمكن أن تكون أخلاقا حقيقية ومتينة إلا إذا ارتكزت على الإيمان العميق.. وتبعا لذلك فإن علاقة الإنسان المسلم بالسياسة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا كانت علاقته بربه علاقة سليمة..وهذا المعنى يتأكد في الكثير من السياقات الأخرى.. إن الحاجة ملحة  إلى تعميق الأخلاق بعمقها الإيماني في الممارسة السياسية تصل حدّ اعتبارها حاجة مستعجلة، خصوصا عندما وصل الانحطاط في السياسة إلى درجة تهدد بخراب العمران بالمفهوم الخلدوني بعدما استشرى الجشع في النخبة السياسية وأضحت تختزل مفهوم السياسة في اللهث وراء المنصب والغنيمة، وأصبح التعبير عن الخلاف السياسي لا يخضع لأية ضوابط أخلاقية..قال ابن خلدون في سياق لا يختلف كثيرا عن واقعنا: ” صارت الدول لا باع لها إلا في تسخير الناس بغير حق، وتصريف الآدميين طوع الرغبات والشهوات، وإرهاق التجار بالمغارم والمكوس الجائرة، وغير ذلك من آيات الظلم الذاهب بأسباب الرجاء والانشراح، المؤذن بخراب العمران، العائد بالوبال على دوائر السلطان”. ولعل واقعنا السياسي كما الاجتماعي لا يختلف كثيرا عن الصورة التي رسمها ابن خلدون عن زمانه الأمر الذي انتهى به إلى الهرب من إفريقية وهو يردد ” إذا كنت في إفريقية فلا حل لك إلا أن توافق أو تنافق أو تغادر البلاد ” إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى