أخرى

السيناريوهات المحتملة لنشوب حرب في المنطقة..

الديوان | هيئة التحرير

مقدمة:

تفاعل الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية في المنطقة يدفعنا لبحث احتمالية نشوب حرب في ضوء عدد من المؤشرات التي حدثت مؤخرا، خصوصاً قيام الإدارة الأمريكية باغتيال اللواء قاسم سليماني بداية كانون الثاني/ يناير 2020، وما سبقه من استهداف إسرائيلي لمواقع إيرانية في سورية وللضاحية الجنوبية. بالإضافة إلى الجهود الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات لتقويض قدرات حزب الله العسكرية وسعيها لإنهاء الوجود لإيراني في سوريا.

من جهة أخرى ما تزال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تشكل ضغطاً على الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من حالة الهدوء النسبي التي تتمتع به هذه الجبهة، إلا أن هذا الهدوء لا يعدو كونه هدوءاً مؤقتاً؛ خصوصاً بعد إعلان صفقة ترامب التي تشترط نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

 

العوامل التي قد تقود إلى حرب

تبدو مجموعة من العوامل التي قد تساهم في جر المنطقة لحرب ترتبط ارتباطا مباشرا بإيران، منها:

  1. شعور النظام في إيران بالخطر على بقائه، نتيجة عوامل مختلفة.
  2. استمرار الضغط الأمريكي “الاقتصادي والأمني” على إيران وحلفائها في المنطقة، بطريقة تهدد فيها استمرار الحكم أو تؤدى لانهيارات في الدولة.
  3. تكثيف الولايات المتحدة جهودها بأدواتها المختلفة، لتجريد إيران من مكتسباتها “نفوذها” في المنطقة لاسيما في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
  4. تطور نوعي في برنامج إيران النووي قد يقود الى تقصير المدى لتصنيع قنبلة نووية، مما قد يؤدي لضربة استباقية إسرائيلية أو أمريكية.
  5. استمرار حلفاء إيران في المنطقة خصوصاً في العراق بتوجيه ضربات ضد المصالح والقوات الأمريكية في المنطقة.
  6. تصاعد الاحتجاجات في العراق ولبنان بصورة دراماتيكية، مما قد يزيد من منسوب تهديد الوجود الإيراني وحلفائها في المنطقة، خصوصاً في لبنان، وهو ما يجعل الحرب بين حزب الله والكيان الإسرائيلي خطوة للهروب نحو الأمام.
  7. استمرار الجهود الإيرانية في تطوير النظام الصاروخي لدى حزب الله في لبنان، وهو ما يشكل تهديداً استراتيجياً للكيان الصهيوني.

العوامل التي تحول دون نشوب حرب

  • رغبة مختلف الأطراف في إكمال ما تعتقد أنه تقدم في مشاريعها في المنطقة، وهذا ينطبق بشكل أكبر على إيران و”إسرائيل”.
  • اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، ورغبة الطرفين بالهدوء خلاله.
  • في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2020، ستنتهي جميع القيود المفروضة على إيران التي تشكلّ جزءاً من «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، وستكون طهران حرة فعلياً في بيع أو استيراد أي سلاح تريده تقريباً. وهذا عامل ذو تأثير مزدوج، فإيران راغبة باستعادة عافيتها العسكرية من خلال رفع القيود، ولذا فهي بحاجة إلى فترة من الهدوء، ومن جهة أخرى فالولايات المتحدة ترغب بفرض المزيد من القيود التي تحول دون تحقيق الرغبة الإيرانية.
  • التفاوت الهائل في موازين القوى بين أطراف الصراع لصالح الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بما يكبح الرغبة الإيرانية في الانتقام لاغتيال سليماني على نطاق واسع.
  • عدم تبلور قوة أو قوى دولية قادرة على، أو راغبة في، مواجهة الولايات المتحدة فيما لو قررت الدخول في حرب في المنطقة، بالإضافة إلى عدم وجود مصالح استراتيجية لأي من القوى الدولية تستحق فتح مواجهة مع الولايات المتحدة.
  • عدم وجود خطر جدي وداهم على مصالح الأطراف في المنطقة، إذ يبدو أن تفاهما ضمنياً قائماً بين الأطراف على حدود ونفوذ كل طرف، وهو ما لم يتم تجاوزه إلا في مرات محدودة مثل اغتيال سليماني.
  • رغبة الولايات المتحدة بمتابعة الضغط الاقتصادي والمالي على إيران وحزب الله، نظراً للجدوى “المعقولة” المتحققة منه.

 

السيناريوهات المحتملة:

من الواضح بأن كافة الأطراف ذات الصلة بالنزاع على النفوذ في المنطقة لا ترغب بأي تصعيد قد يؤدي إلى حرب شاملة، وما شاهدناه بعيد اغتيال قاسم سليماني يدلل على ذلك، فالمؤسسات الأمريكية دفعت نحو تقليل احتمال التصعيد بالقبول برد إيراني محدود الخسائر، مع العلم بأن استهداف الوجود الأمريكي في العراق مستمر، ففي الرابع من كانون الثاني/ يناير 2020 سقط عدد من الصواريخ في المنطقة الخضراء بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، وكذلك الأمر في 20 و 26 كانون الثاني/ يناير، إلا أن هذه الهجمات، التي لم يعترف الطرف الأمريكي فيها حتى اللحظة بسقوط أي قتيل، قد ترفع من منسوب المواجهة غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

السيناريو الأول: حرب إسرائيلية على قطاع غزة

لا يختلف المشهد الفلسطيني عن المشهد اللبناني من حيث تجهيز مسرح الحرب، فحماس تسعى إلى مراكمة القوة، و”إسرائيل” تعمل على تقويض هذه الجهود عبر استخدامها استراتيجية المعركة بين الحربين، أي استمرار استهداف المقاومة لمنعها من تطوير قدراتها العسكرية، كما ترى “إسرائيل” بأن الوضع الفلسطيني المنقسم جغرافياً وسياسياً أكثر ملائمة لها، فالسلطة الفلسطينية في الضفة تنسق أمنياً معها، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة محاصرة وأقصى ما تسعى له هو تخفيف الحصار عبر تفاهمات مع الكيان الإسرائيلي بوساطة مصرية هو في الأساس شريك في الحصار.

عوامل تعزز فرص السيناريو

  • عدم وجود قوى إقليمية ذات وزن حقيقي في المشهد الإقليمي أو الدولي ضامنة للاستقرار أو قادرة على لجم الاحتلال.
  • اخضاع قطاع غزة لتمرير مشروع تسوية ما مثل “صفقة القرن” أو استعادة جدية لمسار التسوية بالتوافق مع قيادة السلطة، أو مع البيئة العربية.
  • الحسابات الداخلية الإسرائيلية في السعي لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية… ، من خلال ضربات نوعية على القطاع؛ وبشكل لا يضمن ألا يتدحرج الوضع إلى حرب.
  • الوضع المعيشي المتردي في قطاع غزة والذي يمكن أن يتفاقم في أي لحظة فيؤدي إلى انفجار شعبي.

العوامل التي تحد من فرص السيناريو

  • وجود مجموعة من الحروب والأزمات الإقليمية التي تعتبر أكثر أهمية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية المؤثرة في معادلة الصراع.
  • الرغبة الإسرائيلية في استمرار الانقسام الفلسطيني وتعميقه، وهو ما يتعارض مع فكرة خوض حرب حاسمة في المرحلة الحالية.
  • تعايش طرفي الصراع مع الوضع القائم، وعدم الرغبة في تغييره من خلال الحرب، نظراً للأثمان الباهظة التي قد يدفعها الطرفان، بالذات في ظل عدم القدرة على إحداث تغير ذات مغزى.
  • رغبة “إسرائيل” في استثمار البيئة الإقليمية لتعزيز علاقاتها مع عدد من الدول العربية، وهو ما يتأثر سلبا بأية حرب قادمة.

 

السيناريو الثاني: حرب مباشرة بين أمريكا وإيران

وهو سيناريو مستبعد، إذ مالت السياسة الأمريكية بعد تجربتها المكلفة في أفغانستان والعراق إلى سياسة عدم القيام بحروب مباشرة. كما أن الإدارة الأمريكية تدرك بأن إيران وإن لم ترغب بالدخول في حرب مباشرة لعلمها بالتفاوت في القدرات العسكرية بين الطرفين، إلا أنها مستعدة لخوض حرب شرسة تعجز أمريكا على تحملها ضمن حساباتها الحالية، خصوصاً مع وجود قوات أمريكية في العراق والخليج ومع إمكانية ضرب حلفاء أمريكا في المنطقة.

السيناريو الثالث: حرب شاملة بين إيران وحلفائها وأمريكا و”إسرائيل” من جهة أخرى

وهو أمر مستبعد لعوامل كثيرة، أهمها أن هذه الحرب تعني فتح جبهات متعددة على الكيان الإسرائيلي، من لبنان والعراق وسوريا واليمن وربما غزة، وهو أمر لا تحتمله “إسرائيل” خصوصاً، أنه يظهر إيران في المحيط السني المعادي لها حالياً بأنها تخوض حرب تحرير فلسطين، وهو ما لا ترغب به أمريكا و”إسرائيل” بالإضافة إلى حجم الخسائر البشرية التي قد تقع على القوات الأمريكية في المنطقة وعلى الكيان الإسرائيلي، وهو ما يعني بأن أمريكا أو “إسرائيل” قد تستخدم أسلحة غير تقليدية لإنهاء مثل هكذا حرب، وهو ما تدركه إيران ولا ترغب به.

 

السيناريو الرابع: حرب بين “إسرائيل” وحزب الله

سعى الكيان الإسرائيلي طوال السنوات الماضية إلى استهداف القدرات العسكرية التي يسعى حزب الله إلى امتلكها، والقائمة على امتلاك قدرات عسكرية هجومية دقيقة وواسعة النطاق، حيث واصلت “إسرائيل” استهداف شحنات الصواريخ أو أمكان التخزين في سوريا بشكل مباشر، حيث استهدفت في آب/ أغسطس 2019 بغارة جوية موقعاً لحزب الله سقط فيها خبيران في صناعة الطائرات المسيرة، وكذلك استهداف مقر لحزب الله في الضاحية الجنوبية بطائرة دون طيار، قيل إنها استهدفت خلاطا متطورا يستخدم في تصنيع الصواريخ.

إن الاستراتيجية الإسرائيلية ضد حزب الله تتلخص في:

  • منع وصول صواريخ دقيقة وواسعة النطاق إلى حزب الله من إيران عبر سوريا.
  • التضييق الجغرافي على حزب الله ومنعه من توسيع دائرة أي حرب قادمة بما يمكن أن تتجاوز لبنان.
  • محاصرة الحزب مالياً وذلك بالتعاون مع الإدارة الأمريكية وحلفائها.
  • محاصرة الحزب سياسياً عبر تجريمه ووضعه على قوائم الإرهاب في الدول كما فعلت بريطانيا بداية عام 2020.
  • إغراق الحزب بمشاكله الداخلية، عبر الاستفادة من الاحتجاجات في لبنان.

لا يبدو أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لهذه الحرب، فالحاضنة الشعبية الداخلية للحزب مرهقة، كما أن الحزب لم يتمكن حتى الآن من استعادة حاضنته العربية السنية التي ساندته في حرب تموز/ يوليو 2006، كما أن الراعي الأساسي للحزب (إيران) لديه أزماته، أضف إلى ذلك بأن الأولوية الأساسية للحزب هو التعامل مع الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، خوفاً من حدوث انفجار شعبي في وجهه.

من جهة أخرى تعاني “إسرائيل” من أزمة سياسية حقيقة، فعلى الرغم من إجراء الانتخابات لمرتين خلال سنة 2019، إلا أن الأحزاب الصهيونية عجزت عن تشكيل حكومة جديدة، وتقرر إجراء انتخابات جديدة في آذار/ مارس 2020، ومن غير المتوقع أن تحدث هذه الانتخابات تغيراً في خريطة الأحزاب. وهو ما يعني بأن “إسرائيل” منشغلة حتى صيف 2020 بوضعها الداخلية، وبعده تأتي الانتخابات الأمريكية.

السيناريو المرجح:

بعد أن تصاعد الحديث عن الحرب بعد اغتيال سليماني، إلا أنه أمكن استيعاب الوضع، لتتراجع احتمالات الحرب؛ بالنسبة للمشهد المستقبلي خلال سنة 2020 فمن المتوقع أن تستمر حالة الشد بين كافة الأطراف دون أن تصل إلى حرب شاملة، فالإدارة الأمريكية الحالية ستسعى إلى تمرير صفقة ترامب أو على الأقل تحقيق مزيد من المكاسب لصالح الكيان الإسرائيلي تمهيداً لتسويق ذلك انتخابياً، ثم إن بنود الصفقة تدعو بشكل محدد لمواجهة حماس ونزع أسلحتها؛ بالإضافة إلى حزب الله، وما تسميه القوى الإسلامية المتطرفة. غير أن البيئة الإقليمية ما زالت غير جاهزة حتى الآن، لتوفير الغطاء لـ “إسرائيل” لإسقاط حماس في القطاع. ومن جهة أخرى فقد تؤدى المناوشات وتصاعد ردود الفعل المتبادلة إلى فقدان السيطرة على زمام الأمور. وهذا ما قد يحدث نتيجة استهداف القوات الأمريكية أو مصالحها في العراق وفي غيرها من قبل جهات موالية لإيران إلى تدحرج كرة الحرب. كذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة فأي حدث أمني غير متوقع النتائج قد يدفع نحو الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى