دراسات

خارطة النفوذ الصيني في المنطقة العربية إلى أين؟

منتدى السياسات العربية | عامر سلمان

تزايدت أهمية الصين في مطلع العقد الماضي منطقة الشرق الأوسط، وفي حين ما تزال وافداً جديدًا نسبيًا إلى المنطقة، تبدو بكين حذرة للغاية في مقاربتها للتحديات السياسية والأمنية المحلية بالمنطقة، لكنها تسعى إلى زيادة مشاركتها السياسية والثقافية مع المنطقة لتترافق مع نشاطها الاقتصادي المتنامي هناك.

وفي الوقت الذي تُظهر فيه هيمنة الولايات المتحدة طويلة الأجل على المنطقة علامات على التراجع، ومع مواجهة أوروبا تحديات داخلية جمة، تتسلل الصين بهدوء لتكتسب نفوذاً أكبر في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويتضمن الحضور الصيني في تلك المنطقة على سبيل المثال لا الحصر مجالات عدة، مثل التجارة وتطوير البنية التحتية والموانئ والشحن والتعاون المالي والسياحة والتصنيع.

ويبدو أن بكين قد شرعت بالفعل لتهيئة المنطقة لتقوم بدور حيوي في ربط طرق التجارة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا من خلال مبادرة “الحزام والطريق” والتي أطلقها الرئيس “شي جين بينغ” في نوفمبر 2013.

ولأجل ذلك، وقّعت الصين مذكرات تفاهم واتفاقات شراكة استراتيجية مع كثير من دول المنطقة التي يمر من خلالها طريق المبادرة، ومع دول لا يمر فيها طريق المبادرة أيضا؛ وهنا لا بد من الإشارة أنه ما من تعريف متَّفق عليه لما يُعتبَر مشروع مبادرة الحزام والطريق، إذ تشارك حوالي 70 دولة في المبادرة بحسب وسائل الإعلام الصينية التابعة للدولة، غير أنّ مشاريع بتمويل صيني في بلدان غير واقعة على طريق المبادرة تتشاطر الكثير من الخصائص عينها، وعلى الرغم من أن المبادرة قد أُطلقت رسمياً في نوفمبر 2013، غير أنّ المشاريع التي بدأت قبل سنوات غالباً ما تحتسب ضمنها.

وتبرز قائمة أنشطة كبيرة لا تنفكّ عن التوسع تحت راية مبادرة الحزام والطريق، لذلك تبدو المبادرة مصطلح فضفاض أكثر منها برنامجاً مع معايير متشددة.

وقد تعدت الطموحات الصينية في المنطقة العربية والشرق الأوسط لتشمل تعاوناً في مجال الدبلوماسية والدفاع، من خلال تسويقها نموذجاً تنموياً يقوم على دمج السلطوية مع النمو الاقتصادي، وهو ما يروق لكثير من أنظمة الحكم في المنطقة، على عكس التركيز الغربي التقليدي بالضغط على تلك الدول لتحقيق المعايير الليبرالية والديموقراطية.

     أولاً: السياق تاريخي للعلاقات الصينية في المنطقة العربية:

من الوجاهة التساؤل الآن حول طبيعة التأثير المتوقع من مشاركة الصين المتنامية في المنطقة، خاصة وأن بكين تبدو مستعدة للعب دور فاعل في قضايا ساخنة في المنطقة أهمها سوريا وليبيا، ولتحقيق هذه الغاية، من المفيد أن نبدأ بتقدير سياق تاريخ الصين الحديث في المنطقة، وتحديد خطوط الاتجاه الرئيسية التي أدت إلى وجود بكين حتى الآن.

·         تحولات السياسة الخارجية للصين

ظلت سياسة الصين الخارجية طوال فترة حكم “ماو تسي تونغ” حبيسة النظرة الأيديولوجية إلى حد بعيد -علاقات الصين مع دولة معينة ترسمها إلى حد كبير علاقة تلك الدولة بواشنطن أو موسكو-، لذلك قدمت الصين دعم أيديولوجي لحركات التحرر الوطنية لمكافحة الاستعمار، لا سيما في الجزائر ومصر في خمسينات وستينات القرن المنصرم، ومن اللافت أن بكين كانت البلد غير العربي الأول الذي اعترف باستقلال الجزائر عام 1962. (1)

ومع بداية عهد “دنغ شياو بينغ” في عام 1978، تجنبت الصين إلى حد ما النظرة الأيديولوجية كأساس لعلاقاتها الخارجية، لتدشن نهجا في سياستها الخارجية أكثر مرونة، يسمح بإقامة علاقات الدولة على الفرص التجارية والاقتصادية من أجل دعم برنامج التحديث الهائل في الصين. تبعا لذلك، بدأت بكين في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط بعيداً عن مفاهيم “الرومانسية الثورية” التي كانت أساساً للعلاقة فيما قبل، وبدأت في بناء علاقات اقتصادية بدت متواضعة في بداياتها على شكل مبيعات أسلحة وتصدير عمال صينيين للمنطقة.

ومع ذلك، ونظرًا لأن الحرب الباردة كانت لا تزال في أوجها، لم يكن هناك مجال لقوة خارجية ثالثة لإلقاء ثقلها على هذا النحو، ظل الشرق الأوسط على هامش أجندة السياسة الخارجية للصين خلال معظم هذه الفترة، إلا أن تغيرت الوقائع على مشارف نهاية الحرب الباردة، مع تحقيق برنامج التحديث الصيني قوة متزايدة وتأثيراً أكبر، ما دفع بكين للاهتمام أكثر بزيادة نفوذها من أجل التنافس مع القوتين العظميين القائمتين في منطقة الشرق الأوسط، وزيادة الروابط الاقتصادية ودعم التوسع الاقتصادي.

وقد ساهمت الدبلوماسية الصينية في دعم توسع بكين في علاقاتها الاقتصادية في الشرق الأوسط من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع جميع دول المنطقة بحلول عام 1992؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن التقدم في عملية السلام العربية الإسرائيلية في ذلك الوقت مكّن دول المنطقة من التركيز على الأولويات بالنسبة لها والتي يأتي على رأسها الاقتصاد، واستفادت بكين بطبيعة الحال من هذه الفرصة.

ومن التطورات الرئيسية الأخرى في الوجود الاقتصادي للصين في المنطقة، أن أصبحت بكين مستورداً صافياً للمنتجات البتروكيماوية في عام 1993. ومع بدء صعود الاقتصاد الصيني خلال التسعينيات، توطدت علاقاتها الاقتصادية بالمنطقة مدفوعة بحاجتها الدائمة للمنتجات البتروكيماوية. (22)

·         انحسار سياسة التفرج الصينية:

منذ بداية عهد “الإصلاح والانفتاح” في الصين في عام 1978، تُفضل بكين تعريف نفسها بأنها “متفرج” و”متسابق حر” في منطقة الشرق الأوسط، مع تحديد دوافع وجودها بجني أقصى فائدة اقتصادية ممكنة، ومع ذلك، بدأ هذا التجنب الشديد لأي تدخل سياسي في المنطقة في الانحسار عام 2008، عندما أرسلت بكين ثلاث قطع بحرية للمشاركة في عمليات مكافحة القرصنة متعددة الأطراف في خليج عدن.

استمر هذا الوجود الأمني خلال الحرب الليبية عام 2011، عندما استجابت بكين للمطالبات المحلية المتزايدة بضرورة حماية الجيش رعاياه في ليبيا من خلال إرسال وحدات جوية وبحرية تابعة لجيش التحرير الشعبي لإخلاء 35 ألف مواطن صيني مقيم في ليبيا.

 ومن التطورات الأخرى الملحوظة في هذا السياق مساهمة الصين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في السودان بنهاية العام 2012، والتي ضمّت 700 عنصراً، إلى جانب مساهمة بكين بعدة مئات من أفراد الهندسة والطب في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفل”، وهو ما يضع السياسة الخارجية الصينية القائلة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية الأخرى محل شك، إذ إنه يقدح في مصداقية أحد المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي أعلنتها بكين في المؤتمر الآسيوي الإفريقي لعام 1955 لدول عدم الانحياز، وهو نموذج سياسي لطالما تغنت به بكين منذ ذلك الحين كدليل على طموحات بكين غير المهيمنة ونواياها الخيرة للدول النامية-. (6) (8) (17)

·         الأزمة المالية العالمية نقطة عبور للصين:

بعد أن أدت الأزمة المالية العالمية التي ضربت أسواق العالم في عام 2008 إلى ركود عالمي، وأصابت أمريكا ومنطقة اليورو بشكل رئيسي، دفعت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي لطالما اعتمدت على التجارة والاستثمار القادمتين من الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو إلى تنويع أسواقها ومصادر الاستثمار فيها وتوسيع شركائها الاقتصاديين، حيث حافظت الصين في تلك الفترة على معدلات نمو اقتصادية مرتفعة بلغت نحو 9.5٪ في العام 2011، وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد الصيني في السنوات الأخيرة إلا أن بكين عززت قوتها الاقتصادية من خلال إطلاق مبادرة الحزام والطريق، والتي ستنطلق  من الصين لتعبر نحو 80 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتحوز هذه الدول على ما نسبته 41٪ من إجمالي التجارة العالمية.

صورة توضح المنطقة المستهدفة من مبادرة الحزام والطريق، والخطوط البرية والبحرية التي ستقطعها.

بطبيعة الحال فإن دول جنوب آسيا قد حازت على معظم المشاريع التي تطلقها المبادرة، ولكن التوسع الذي تجريه بكين في خطوط التجارة باتجاه الغرب نحو أوروبا، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ساهم في إدخال عديد الدول في المنطقة العربية في الحسابات الصينية، ما دفع بكين لعقد شراكات مع دول المنطقة.

ثانياً: النفاذ الاقتصادي الصيني للمنطقة العربية:

استنادا إلى “جورج ستروفر” الخبير في الشؤون الصينية بمعهد GIGA الألماني للدراسات العالمية، فإن ثمة خصائص تجتمع عليها عقود الشراكة بنوعيها بين الصين وتلك الدول وهي:

  • عابرة للعلاقات الدبلوماسية الكلاسيكية، إذ تتضمن اجتماعات دورية بين المسؤولين الحكوميين والوكالات الحكومية الصينية لتنمية التواصل والثقة.
  • لا تقع ضمن حدود التحالفات القائمة على المعاهدات.
  • تركز على “الهدف” أكثر من تركيزها على “التهديد”، حيث تركز إجمالاً على مجالات التعاون المتبادل في الاقتصاد والثقافة والأمن والتكنلوجيا.
  • تحظى الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية بمستوى أعلى من التواصل المؤسساتي، مقارنة مع الشركات الاستراتيجية العالمية، بما فيها اجتماعات منتظمة عالية المستوى بين كبار المسؤولين من كلا البلدين الشريكين.

وقد دخلت الشراكات الاستراتيجية الصينية أكثر من دولة عربية، فقد كانت شراكة استراتيجية مع (الإمارات 2012، قطر 2014، العراق 2015، الأردن 2015، المغرب 2016)، وكانت شراكة استراتيجية شاملة مع (الجزائر 2014، مصر 2014، السعودية 2016) وكذلك علاقة استراتيجية شاملة مع إيران 2016. (21)

تبع توقيع هذه الشراكات افتتاح الصين لعشرات المراكز الثقافية الصينية في المنطقة ومعاهد “كونفشيوس” لتعليم اللغة والثقافة الصينية، وسهلت الصين استصدار تأشيرات السفر إليها من المنطقة العربية، وأسقطت إنذارات السفر التي كانت فرضتها على مواطنيها إلى بعض دول المنطقة، لتوسيع رقعة التبادل السياحي والتجاري، وقد زاد ظهور القوة الناعمة بشكل واضح في الخطاب الصيني الموجه للمنطقة العربية، رغم أن الاقتصاد يصنف كنوع من أدوات القوة الصلبة، لكنها طورت الاقتصاد ليصبح قوة ناعمة عبر القروض الميسرة، والمشاريع ذات فترات السداد الطويلة. (22)

·         خارطة المشاريع الصينية في المنطقة العربية:

تركز الصين بنموذجها المطبق في المنطقة العربية وشمال أفريقيا على الجوانب الاقتصادية وعدم التدخل بالشؤون السياسية، على عكس التركيز الغربي الضاغط لتحقيق المعايير الليبرالية والديمقراطية، لذلك نافست الصين على مشاريع ضخمة باستثمارات مباشرة وغير مباشرة، وبقروض كبيرة ميسرة، ونعرض أهم هذه الشراكات كالتالي:

·         الإمارات العربية المتحدة:

بعد انقطاع دام 29 عام وقع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في 19 يوليو 2018، أثناء زيارته للإمارات على 13 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والتجارة الإلكترونية والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، إضافة للتعاون الاقتصادي في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.

وقبيل تلك الزيارة؛ وقّعت “موانئ دبي العالمية” ومجموعة “تشجيانج تشاينا كوموديتيز سيتي جروب” الصينية اتفاقًا لإقامة أضخم سوق للتجارة الحرّة على مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة في المنطقة الحرّة لجبل علي في دبي، وهي أكبر منطقة تجارة حرّة في الشرق الأوسط.

وكانت الصين قد استحوذت على أكبر مشروع في العالم للطاقة الشمسية المركزة بالإمارات العربية المتحدة، بالشراكة مع السعودية، إذ وقّعت كلٌّ من الشركة الصينية “شنجهاي إلكتريك” الصينية؛ المقاول الرئيسي للمشروع، وشركة “أكوا باور” السعودية على عقدٍ مع هيئة كهرباء ومياه دبي لإنجاز “مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”، أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم.

ونفذت الشركات الصينية العاملة بالإمارات مشروعات بنى تحتية بقيمة 3 مليارات درهم إماراتي سنة 2018، بلغ فيها عدد العمالة الصينية 10 آلاف عامل صيني، وتضمّنت أبرز المشاريع التي نفذتها شركات صينية مشروع جسر البديع في الشارقة، ومستشفى الأمل للأمراض النفسية بدبي، وإنشاء وإنجاز الإدارة العامة لشرطة الشارقة، ومشروع امتداد الطريق العابر من طريق فلج المعلا شارع الإمارات في أم القيوين.

وتأتي هذه المشاريع الصينية في الإمارات لترفع حجم التبادل بين البلدين في عام 2017 إلى نحو 53.3 مليار دولار، علمًا بأن الصادرات الصينية تشكل نسبة 90% منها، وفقًا لإحصاءات أبوظبي. (13)

·         المملكة العربية السعودية:

وقعّت عملاق صناعة التكرير في الصين والأكبر في القارة الآسيوية شركة “تشاينا بتروكيميكال كوربوريشن – سينوبك” في عام 2012 على شراكة مع “أرامكو” السعودية لإنشاء مصفاة تحويل متكاملة تعالج الزيت العربي الثقيل “ياسرف”، حيث تبلغ حصة ملكية أرامكو السعودية في هذه المصفاة العملاقة نحو 62.5%، و37.5% لشركة “سينوبك” الصينية. وتم تدشينها من طرف كلٍ من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى المملكة في يناير 2016، وتعد مصفاة “ياسرف” واحدة من أكبر المصافي إنتاجًا في العالم، إذ تتجاوز طاقتها الإنتاجية 13.5 مليون جالون يوميًا من أنواع وقود النقل فائق النظافة، كما تبلغ الطاقة التكريرية لهذه المصفاة 400 ألف برميل يوميًا من الزيت الثقيل.

وفي يوليو 2019 وقعت مجموعة قهتشوبا الصينية (CGGC) التابعة لشركة الصين المحدودة لهندسة الطاقة، اتفاقية تعاون مع مجموعة ASK السعودية في مشروع EPC+O&M للتفجير المدني في السعودية بقيمة إجمالية تصل إلى 780 مليون دولار أمريكي.

ومنحت الهيئة السعودية العامة للاستثمار قد منحت في عام 2017 تراخيص استثمار لأربع شركات صينية، ويتعلّق الأمر بكل من “شركة ريزيل كاتاليستس”، وشركة “عبر آسيا السعودية”، وفرع شركة “سولو التكنولوجية”، إضافةً إلى فرع شركة “جيانجسو نانتونج سانجيان”، لتتصدر الصين المرتبة الأولى من بين الدول المرخص لها بالاستثمار في السعودية.

وفي العام 2018 أطلق البلدان مشاريع بقيمة 225 مليار ريال سعودي تشمل البنى التحتية وقطاع المعلومات، وتهدف أن تكون السعودية محطّة رئيسة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وفق رؤية السعودية 2030. (9)

·         جمهورية مصر العربية:

كانت مصر ميداناً مهماً لزحف الاستثمارات الصينية، حيث وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية في سبتمبر 2017، اتفاقاً بين الشركة الصينية القومية لنقل الكهرباء “ستيت جريد”، لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع الشبكة القومية للكهرباء في مصر، وشهدت المرحلة الأولى انشاء خطوط شبكات كهرباء جديدة بقوة 500 كيلو فولت وتكلفة 1.8 مليار دولار، وصرحت وزيرة الاستثمار المصرية سحر نصر وقتها أن (المشروع يأتي في إطار الشراكة الاستثمارية بين مصر والصين، لاستكمال جهود التعاون المميز بين وزارة الكهرباء والشركات الصينية ذات الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة..)

وتعدّ المنطقة الصناعية الصينية “تيدا” بمنطقة خليج السويس، أحد أهمّ المشاريع الصينية في مصر التي تهدف إلى استثمار 8 مليارات دولار، إضافة إلى توفير 20 ألف فرصة عمل.

كما استحوذت الصين على عدة منجزات خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، إذ تعكف الشركات الصينية على إنجاز بعض الإنشاءات في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر في مساحة تبلغ 700 كيلومتر مربع. ويشمل المشروع إنجاز أعلى برجٍ في أفريقيا، و12 مبنى تجاري، وخمس وحدات سكنية، وفندقين كبيرين بعقد بلغت قيمته 3 مليارات دولار.

وكانت الجمارك الصينية قد أعلنت في مايو 2018 أن حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر ارتفع بنسبة نحو 26% خلال الربع الأول من العام، ليصل إلى ما يقارب 3 مليار دولار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. (4) (5) (14)

·         الجزائر:

تستحوذ الصين على أضخم المشاريع التي تنجزها الجزائر، بدايةً بالمسجد الأعظم -ثالث أكبر مسجد في العالم- مع شركة “هندسة البناء الصينية”، التي استحوذت على المشروع بقيمة 1.5 مليار دولار.

كما تشرع حاليًا الصين في إنجاز الطريق السيّار “شمال-جنوب” والذي يربط “الشفة” شمال الجزائر بالحدود النيجيرية جنوبها على مسافة 550 كلم، بعد تسليمها مشروع الطريق السيار “شرق-غرب” والذي يربط بين الحدود الغربية والحدود الشرقية مروراً بالمدن الجزائرية الكبرى مثل تلمسان ووهران والشلف والجزائر العاصمة وسطيف وقسنطينة وسكيكدة وعنابة والطارف، والذي يمتد لمسافة 1200 كيلومتر بمتوسط تكلفة فاقت 19 مليار دولار.

وكانت الحكومة الجزائرية قد منحت الشركات الصينية إنجاز مشروع ميناء شرشال الأكبر في البلاد بقيمة 3 مليارات دولار، الذي سيُموَل في إطار قرض صيني على المدى الطويل، على أن يتم إنجازه في غضون سبع سنوات ويرتقب أن يدخل الخدمة تدريجيًا في غضون أربع سنوات، مع دخول شركة “موانئ شنغهاي” التي ستضمن استغلال الميناء حسب تصريحات مسؤولي وزارة القطاع. (15)

·         المغرب:

يعتبر مشروع انجاز المدينة الصناعية الصينية بمدينة طنجة المغربية أكبر مدينة صناعية في إفريقيا، والموقع بين مجموعة “هيتي” الصينية والحكومة المغربية، إذ ستحتضن نحو 200 شركة صينية، وتوفر 100 ألف وظيفة جديدة، وتبلغ أهمية هذه المدينة بالنسبة للصين قربها من أوروبا.

وتعمل المجموعة الصينية “تشانغ دونغ شانغ جانغ” الرائدة في صناعة الصلب على إنجاز مشروع طنجة لتصنيع هياكل وخطوط الأنابيب من الصلب بالمنطقة الحرة في طنجة، بقيمة 1.7 مليار درهم مغربي، لإنتاج ما يفوق 250 ألف طن من أنابيب الصلب. (12)

·         الكويت:

وفي زيارة تاريخية قام بها أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح إلى الصين في يوليو 2018، أعرب الأمير صباح الأحمد الصباح عن رغبته في أن “يكون الجانب الصيني شريكًا استراتيجيًا، ومستثمرًا أساسيًا في تطوير البنية التحتية لمدينة الحرير، وإنشاء مناطق صناعية وتكنولوجية متقدمة في شمال الكويت.

وتعدّ “مدينة الحرير” أحد أضخم المشاريع الكبرى في منطقة الخليج، ويدخل المشروع تحت رؤية الكويت لسنة 2035، وتصل قيمة إنجازه إلى حدود 100 مليار دولار، على أن تتسع المدينة لـ700 ألف مقيم، متضمنة إنشاء برج بطول ألف متر إضافة إلى مرافق أخرى، كما يضم المشروع الذي يعتبر أضخم واجهة بحرية في العالم إنجاز رابع أطول جسر بالعالم، والذي سيربط مدينة الحرير والعاصمة الكويت.(10)

جديرٌ بالذكر أنّ نحو 40 شركة ومؤسسة صينية موجودة حاليا في الكويت، وتشرف على ما يقرب من 80 مشروعًا في مجالات النفط والبنية التحتية والاتصالات والمال وغيرها.

وكان السفير الصيني لدى الكويت، وانج دي، قد صرّح بأنّ “إجمالي عقود المقاولات المتراكمة التي حصلت عليها الشركات الصينية في الكويت بلغ 20 مليار دولار حتى العام 2018”.

وترتبط معظم الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعلاقات اقتصادية وتجارية، ما يمنح الفرصة لتلك الدول لزيادة أحجام التبادل التجاري والاستثمارات الخارجية وعائدات السياحة بينها. (11)

وأدّى انضمام تلك الدول لمبادرة الحزام والطريق أيضاً إلى تشجيع المنافسة بين الشركاء الغربيين التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الصين وروسيا.

ويشدّد الدبلوماسيون الصينيون على أنّ دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمتلك إمكانات جاذبة جدا للتعاون الاقتصادي، نظراً لوفرة منتجات الطاقة فيها، وقربها من الأسواق الأوروبية والأفريقية والآسيوية وعدد المناطق الصناعية الكبير فيها ومستويات الاستثمار العالية في تطوير البنى التحتية وغيرها. (10) (11).

·         دبلوماسية الإغراق بالديون الصينية “فخ الديون

ثمة مخاوف من استغلال بكين دبلوماسية الديون أو ما يعرف بـ “فخ الديون”، للسيطرة على القرار السيادي سياسياً كان أو اقتصادياً لدول من المنطقة العربية، أو احداث فجوة فيه، من خلال إغراقها بديون ضخمة لا تقوى على سدادها، فتضطر إلى مقايضتها بأصول أو أسهم استراتيجية للدول المدينة.

وبالرغم من أن سياسة القروض المتعثرة تلك بوسعها أن تفاقم أعباء الديون لدى بكين على المدى المنظور -حيث ارتفعت من 141٪ إلى 256٪ من ناتجها المحلي الإجمالي منذ 2008-، لكنها قد تغض الطرف عن تلك المخاطر على المدى الطويل بالنظر للنفوذ الكبير الذي حققته بكين من خلال سياسة الإغراق بالديون تلك.

وتستغل الصين حالة الفراغ التي تسببها العلاقات المتدهورة بين عديد الدول مع واشنطن لتتمدد إلى تلك المساحات، ولا أدّل على ذلك أكثر من سلوك الصين بخصوص ملكية ميناء “هامبانتوتا” السريلانكي، وميناء “غوادار” الباكستاني، ومثلهما عدة موانئ ماليزية، بيد أن ماليزيا ألغت تلك الاتفاقات مبررة ذلك بعدم قدرتها على تحمل أعباء الدين فيما بعد. (27)

وقد يدعم هذا الموقف غياب التعاون الأمني والعسكري في الورقتين الصينيتين البيضاوتين، “الرؤية والإجراءات بشأن بناء حزام طريق الحرير الاقتصادي المشترك، وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين” و “ورقة السياسة الصينية العربية“.

لا تذكُر “الرؤية والإجراءات” سوى القليل عن الشرق الأوسط على وجه التحديد، ولكنها تعلن عن خمس أولويات للتعاون لتطوير العلاقات مع الدول التي تشارك في مبادرة الحزام والطريق وهي: التنسيق السياسي، وربط المرافق، والتجارة دون عوائق، والتكامل المالي، والتبادلات بين الأفراد.

إن غياب التعاون الأمني ​​والعسكري في “الرؤية والإجراءات” يدعم الرواية الصينية بأن مبادرة الحزام والطريق، هي مبادرة تركز على التنمية وليست جزءًا من استراتيجية جيوسياسية، ولكن الافتقار النسبي للالتزامات الأمنية في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة، يمكن أن يخلق انطباعًا بأنها لا تقف إلى جانب التنافسات الإقليمية أو ترفع الميزان لصالح أي من شركائها، وهو ما يعزز الشعور لدى الدول العربية أن المبادرة لا تعدو عن كونها فرصة اقتصادية دون أي رؤى تنموية للمنطقة.

ثالثاً: النفاذ الأمني الصيني للمنطقة العربية

مع استمرار تواصل الصين الاقتصادي والدبلوماسي مع الشرق الأوسط، بدا أن التعاون الأمني ​ يتبعه باطّراد، حيث خطت بكين بالفعل خطوات جديدة في هذا الاتجاه، وبدأت القوة البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLAN) زيارة الموانئ في شبه الجزيرة العربية كجزء من المهمة الدولية لمكافحة القرصنة في خليج عدن، مما أعطى ضباط البحرية الصينية الفرصة لتطوير العلاقات مع نظرائهم العرب.

 كما ساهمت الصين ببعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان منذ عام 2006.  وهناك زيادة في أعمال المتعاقدين الأمنيين الصينيين من القطاع الخاص في الشرق الأوسط، كجزء من الرد على المشاركة الصينية العميقة مع البلدان المتأثرة بالصراعات مثل العراق.  وزادت مبيعات الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة -وإن كانت لا تزال ضئيلة مقارنة بمبيعات الدول الغربية-.

وقد بدأ أوّل تحرّك عسكري صيني بارز في ليبيا في العام 2011، عندما ساعدت بَحريّة جيش التحرير الشعبي في إجلاء حوالي 37 ألف عامل صيني من البلاد قبل أن يباشر حلف شمال الأطلسي بشنّ الغارات الجوية. وفي عام 2015 جرت مناورة عسكرية صينية روسية مشتركة في البحر المتوسط.

ومن التطورات الأمنية المهمة الأخرى إنشاء قاعدة دعم لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي في يوليو 2017، وهي أول منشأة صينية خارجية من هذا النوع وبُنيت بتكلفة 590 مليون دولار، ومن المتوقع أن تزيد المنشأة بشكل كبير من إمكانات الصين لاستعراض قوتها في منطقة القرن الإفريقي والمحيط الهندي، في ظل تطوير الصين لميناء غوادار الباكستاني، ما يدعم زيادة قدراتها البحرية في المنطقة.

مثّلت هذه الخطوات نهاية للسلوك الصيني الكلاسيكي المعروف في الامتناع عن بناء منشآت عسكرية خارج حدودها الجغرافية.  وبالنظر إلى النمو الهائل للمصالح والأصول والرعايا الصينيين في الخارج، احتاجت بكين إلى إثبات أن لديها القدرة على حماية هذه المصالح وأنها ليست بحاجة إلى الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية في المنطقة.

وإن كانت الاستثمارات الصينية الكبيرة في المجمعات الصناعية في الشرق الأوسط والموانئ ذات طابع تجاري في الوقت الحالي، إلا أنه قد يكون لها فيما بعد أغراض أمنية وعسكرية، وقد يبدو من غير المحتمل أن تسمح الدول المضيفة بحدوث ذلك في المستقبل القريب، حيث يخشى العديد منهم أن يؤدي ذلك إلى تهديد التعاون الأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتمدون عليها بشكل كبير حالياً.

وتشكل ميزات الارتباط الاقتصادي والدبلوماسي والأمني ​​الصيني مع الشرق الأوسط جزءًا من استراتيجية أعمق وأوسع نطاقًا وأكثر تقدماً مما قد تظهر للوهلة الأولى، الصين تغير التروس، والقادة في جميع أنحاء المنطقة يستجيبون لهذه التغيرات على ما يبدو.

·         النفوذ الصيني على حساب التراجع الأمريكي:

مع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القوة العسكرية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية منذ عملية عاصفة الصحراء 1990، وبنائها هيكل أمني إقليمي حافظ على الوضع الراهن الذي تفضله، كان على القوى الأجنبية الأخرى إما العمل ضمن الإطار أو تحديه، وقد ساعدت المظلة الأمنية الأمريكية الصين لترسيخ نفسها كقوة اقتصادية وسياسية في المنطقة العربية، كسلوك انتهازي استفاد من هذه المظلة للتركيز على المشاريع الاقتصادية مع توفير القليل في سبيل المنافع العامة.

 الأهم من ذلك هو تصور دول الشرق الأوسط تحديداً حول انحسار دور الولايات المتحدة من المنطقة، إذ شعر العديد من القادة في الشرق الأوسط بالارتباك من السياسة الإقليمية لإدارة دونالد ترامب، من خلال الانسحاب من عديد المناطق والقضايا في المنطقة.

كان لاضطرابات الشحن عبر مضيق هرمز في صيف 2019 مكاشفة جديدة للسلوك الأمني الأمريكي في المنطقة العربية، حيث قال ترامب وقتها: “تحصل الصين على 91٪ من نفطها عبر مضيق هرمز، واليابان 62٪، والعديد من الدول الأخرى بالمثل، فلماذا نحمي المسارات البحرية من أجل الدول الأخرى (لسنوات عدة) بدون مقابل، يتعين على جميع هذه الدول أن تحمي سفنها بنفسها على طول هذه الرحلة التي لطالما كانت خطيرة”.

 ثم ما لبث أن ألغى ترامب الضربة المخطط لها انتقاماً من إيران بعد أن أسقطت طهران طائرة استطلاع أمريكية، كان له وقع كبير على نفوس القادة العرب، ما عزز الاعتقاد لديهم بأن التزام واشنطن بتحقيق الاستقرار في المنطقة بشكل عام والخليج على وجه الخصوص -الذي ظل ثابتًا منذ إعلان عقيدة كارتر عام 1981- بدأ يتضاءل، وفي هذا السياق قد يكون لتحركات الصين نحو دور أكبر في الأمن والتجارة في الخليج آثار كبيرة

ويظهر إعلان بكين في أغسطس 2019 بأنها قد تشارك في تحالف للأمن البحري الخليجي تدعمه الولايات المتحدة، يمكن أن يشير إلى بداية مستوى أعمق من الارتباط العسكري مع الشرق الأوسط[1]، في حين تكتفي واشنطن حالياً بتحذير شركائها في المنطقة من عواقب إقامة علاقات أعمق مع الصين، والخلاف الأخير حول إدارة مجموعة ميناء شنغهاي الدولية لميناء حيفا هو مثال على ذلك، حيث طلب وزير الخارجية “مايك بومبيو” ومستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون من المسؤولين الإسرائيليين الاختيار بين بكين وواشنطن، وقد عارض المسؤولون الأمريكيون بشدة إدخال شركة Huawei لأنظمة 5G لأسواق الشرق الأوسط، مشيرين إلى المخاطر الأمنية المحتملة التي يمكن أن تبرز مع وصول الشركة إلى شبكاتها مثل تكنولوجيا المراقبة الرقمية الغازية.

·         الأسلحة الصينية في ميادين الشرق الأوسط:

بدأ تصدير السلاح الصيني للشرق الأوسط مبكرا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ووصل حجمه حتى العام 2017 إلى نحو 12.73 مليار دولار، مثل نحو 8.8 مليار دولار من إجمالي المبيعات جرت ضمن صفقات أبرمت في الثمانينيات مع طرفي الحرب (الإيرانية – العراقية). وفي التسعينيات؛ بعد انتهاء الحرب الباردة، تراجع حجم الصادرات الأمنية الصينية إلى الشرق الأوسط، ليبلغ 1.8 مليار دولار، كانت غالبية هذه الصادرات تذهب إلى طهران.

واستمر هذا التراجع في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إذ وصل إلى 1.4 مليار دولار، وكانت غالبية الصادرات نحو إيران ومصر.

بين العامين 2010 – 2017 وصل حجم هذه الصادرات إلى 468 مليون دولار، ما يشكل 3.7% من مجمل الصادرات الأمنية الصينية للعالم الذي بلغ وقتها نحو 12.5 مليار دولار، وبالمقارنة في تلك الفترة، فإن الصادرات العسكرية الروسية إلى الشرق الأوسط بلغت نحو6.1 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات العسكرية الأميركية في الفترة ذاتها نحو 30.1 مليار دولار.

كانت أول صفقة سلاح وقعتها الصين في الشرق الأوسط مع مصر في العام 1975، حيث اشترت الأخيرة في إطارها قاذفات من طراز “Xi’an G-6″، وفي ثمانينيات القرن المنصرم اشترت قطعاً بحرية شملت غواصات وبوارج وصواريخ وطائرات مقاتلة، ومع مطلع القرن الواحد والعشرين تركزت المشتريات العسكرية المصرية من الصين على طائرات بدون طيار، ونقل تكنولوجيا لصنع طائرات كهذه في مصر. كما وقعت الدولتان على اتفاق لإطلاق قمر اصطناعي مصري ثانٍ لغرض المراقبة، وأبرمت الصين صفقات مع السعودية، وزودتها بصواريخ يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات، ومدافع متنقلة وطائرات بدون طيار.

·         الصادرات الصينية لإيران وتركيا وتأثيراته على المنطقة العربية:

بحسب تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، فإن الصين زودت إيران بالخبرات الأساسية لصناعة أسلحة كيميائية ورؤوس حربية كيميائية للصواريخ، وخبرات في المجال النووي.

خلال حرب لبنان الثانية، عام 2006، أصاب صاروخ أطلقه حزب الله على البارجة الحربية “أحي – حانيت”، للاحتلال الإسرائيلي من الشواطئ اللبنانية، قال الاحتلال الإسرائيلي أن إيران طورته استنادا إلى تكنولوجيا صينية للصاروخ “C-802”.

كذلك زودت الصين تركيا بأسلحة، منذ الثمانينيات، بينها منصات إطلاق قذائف، و200 صاروخ بالستي قصير المدى، علما أن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي العام 2013 فازت شركة صينية بمناقصة تركية لشراء منظومات دفاعية ضد الصواريخ، وأثارت هذه الصفقة خلافاً بين دول الناتو، وبعد ذلك لم ترد تقارير حول صفقات أمنية بين تركيا والصين.

وأشارت دراسة إسرائيلية إلى أن اهتمام الصين بالشرق الأوسط يتزايد، كما أن مصالحها تتسع انطلاقا من اعتبارات تزودها بالطاقة وإبعاد الإرهاب عن حدودها، ما يعني اتساع مصالحها السياسية والاقتصادية.

كذلك طوّرت الصين قدراتها الصناعية البحرية، وبينها بناء الغواصات والبوارج حاملة الصواريخ والطيران البحري ووسائل بحرية أخرى بواسطة تطوير وتوسيع أحواض بناء السفن. ووفقا وزارة الدفاع الأميركية، فإن الصين هي أكبر منتج للسفن في العالم، وتسلح سفنها الحربية بوسائل متطورة في مجال المضادات الجوية والحماية تحت سطح البحر، وتطور قدرات هجومية في هذا المجال، ما يدفعها لتعاون أكبر مع تركيا وإيران، سينعكس ذلك أيضاً على زيادة دور الدولتين في المنطقة العربية.

ووفقا لتقرير وزارة الدفاع الأميركية، فإن قدرة الإنتاج الصيني تواصل التقدم في كافة مجالات أسلحة الجيوش البرية، بما يشمل الدبابات الحديثة والمدفعية، لكن يجري ذلك أحيانا على حساب جودتها.

وفي ظل تأجج الصراعات في الشرق الأوسط، في أعقاب “الربيع العربي” وبسبب الصراع بين إيران ودول عربية عديدة، فإن الطلب على الاستيراد العسكري يرتفع، يأتي ذلك بموازاة انسحاب واشنطن تدريجي من المنطقة، وهو ما من شأنه أن يزيد حجم الصادرات العسكرية والأمنية الصينية إلى الشرق الأوسط في موازاة حجم التجارة والاستثمار الصيني في المنطقة، ويمكن للصين أن تنافس الولايات المتحدة وروسيا والغرب في مجالات عسكرية معينة، خاصة في أعقاب امتناع دول غربية عديدة عن بيع أنواع كثيرة من الأسلحة للمنطقة العربية، تحسباً من ارتكاب جرائم حرب بواسطتها، وهو ما يترك المساحة مفتوحة للصين.

خلاصة

حققت بكين اختراقا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق، بيد أن هذه الاختراقات لم تتمكن حتى الآن من ترسيخ علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة بشكل يمكن الذهاب به إلى مستوى بعيد. وفقا للتحركات الصينية الحثيثة، فإن بكين ستواصل التوسع في روابطها بالمنطقة قصد ترسيخها في السنوات المقبلة نظرا لأهمية المنطقة لها من منظورها الاستراتيجي.

يتطلب ثبات العلاقات وتطورها بين أي طرفين في السياسة الدولية شرطين أساسيين: أن لا يكون التفاعُل طارئًا ومرحليًا، وأن لا يكون التفاعل في مصلحة طرف على حساب الطرف الآخر. لذلك، فإن منطق العلاقات الاستراتيجية بين الصين والوطن العربي يجب أن يقوم دائمًا على مقولة أن الصين بحاجٍة استراتيجية إلى تعاوٍن أعمق مع الوطن العربي، تمامًا كما أن الوطن العربي بدوره بحاجٍة استراتيجية إلى تعاوٍن أعمق مع الصين.

فضًلا عن ذلك، على الطرفين أن يفكَرا بمنطٍق شامٍل لا يقوم على تجزئة علاقات التعاون قطاعيًا، كأن يقتصر على الاقتصادي فحسب، كما في حالة العلاقات العربية – الصينية الراهنة. قد تكون ممارسات التجزيء هـذه ضرورية في مراحل معينة، لأغراض براغماتية مثـًلا، لكن التمسك بها على المدى الطويل يمكن أن يضر بمكاسب التعاون في المستقبل.

لذلك، على الصين أن تفكر جدّيًا في ابتكار مسارات لتطوير اهتمامها بالمنطقة سياسيًا، عبر تبني مواقف أقل حيادية لكن أكثر إنصافًا للمصالح العربية في القضايا الأساسية المطروحة في الفضاء الإقليمي العربي، كالمسألة الفلسطينية – الإسرائيلية، والمسألة العربية – الإيرانية.

عمومًا، يواجه الوطن العربي والصين على حد سواء تحديًا مشتركًا يتمثل في إدارة العلاقات بينهما على نحو استراتيجي لكن في سياق إقليمي مضطرب ويفتقر إلى اليقين. وقد زادت مصادر الاضطراب في هذا السياق حدة بعد تحولات الربيع العربي، بينما تأخذ حدة مصادر اللايقين في الازدياد بفعل تحولات الربيع العربي وبفعل تراجع الأداء الاقتصادي وبخاصة في الاقتصادات العربية التي تعتمد على نحٍو مفرط على الصادرات النفطية. مع ذلك، يبدو أن اللا يقين السياسي الذي أفرزته تحولات الربيع العربي لم يؤثر بشكٍل لافٍت في مسار العلاقات الاقتصادية العربية – الصينية، رغم تباين مواقف السياسة الخارجية الصينية والسياسات الخارجية لعدد من الدول العربية حيال هذه التحولات.

إن للعلاقات المتنامية بين الصين والمنطقة العربية عوائد كبيرة على الأطراف كلها، لكن وكأي علاقة فإن ثمة عقبات تواجه توسع تلك العلاقة ولكن لا تهدد وجودها، وينبغي على دول المنطقة العربية استشعار خطر “دبلوماسية الديون” الصينية لما له من تداعيات أمنية وسياسية على الأمن القومي للمنطقة العربية، أو تأثيراتها على ثروات المنطقة.

المصادر والمراجع:

1- حمشي، محمد، (2005)، الاقتصاد السياسي للعلاقات العربية – الصينية: التحديات والفرص الاستراتيجية، جامعة أم البواقي، الجزائر.

2- علي، مدحت (1997)، “إدارة الجودة الشاملة في منظمة سعودية رئيسية”، أطروحة دكتوراه، جامعة برادفورد، برادفورد.

3-فرص وتحديات على “طريق الحرير”، مجلة الصين اليوم، 1 مايو 2017، على الرابط التالي:  shorturl.at/sIM26

4- «مشروع طريق الحرير» الصيني، بي بي سي عربي، 15 مايو 2017، على الرابط التالي: https://2u.pw/PukjE

5- مقابلة خاصة لسفير الصين في القاهرة يتحدث عن آفاق مبادرة الحزام والطريق، وكالة شينخوا الصينية، نوفمبر 2019: shorturl.at/dwEYZ

6- دينغ لونغ، “الصيـن والعالم العربي: نحو علاقات اقتصادية وتجارية أوثق” الحياة، 14 /05 /2016 ،

http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/15594395.

7- محمد السيد سليم، “السياسة الصينية إزاء القضايا العربية: وجهة نظر عربية”، مجلة الفكر السياسي، العدد7، 1999، ص “148 – 147”.

8- “الصيـن والعالم العربي و10 سنوات على انطلاق منتدى التعاون العربي الصيني” ورقة لـمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية،

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13432/article_touch/121.html.

9- افتتاح مشروع نفطي سعودي صيني بطاقة 400 ألف برميل يوميا: https://bit.ly/3887k4h

10- الكويت والصين.. شراكة على طريق “مدينة الحرير‎”: https://bit.ly/3a1QpBX

11- أبرز دلالات زيارة أمير الكويت الأخيرة إلى الصين: https://bit.ly/2uI0TGt

12- مشروع استثماري صيني في المغرب بقيمة 1.3 مليار درهم: http://alyaoum24.com/179039.html

13- توقيع 13 اتفاقية إماراتية – صينية في ختام زيارة الرئيس شي جين بينج لأبوظبي: http://gate.ahram.org.eg/News/1992997.aspx

14- 10 مشاريع صناعية صينية كبرى في أفريقيا: https://bit.ly/2QSbozP

15- الميناء التجاري للوسط بشرشال: وضع اللمسات الأخيرة قبل انطلاق المشروع نهاية الثلاثي الأول من 2018: http://www.aps.dz/ar/economie/51095-2018

16- Bian, Y., & Ang, S. (1997), “Guanxi networks and job mobility in China and Singapore”, Social Forces, Vol 75, No 3, pp. 981-1007. shorturl.at/juAIX

17- Vision and Actions on Energy Cooperation in Jointly Building Silk Road Economic Belt and 21st-Century Maritime Silk Road, NEA, Chinese government, 12 may 2017, link: http://www.nea.gov.cn/2017-05/12/c_136277478.htm

18- China’s Arab Policy Paper, Foreign Ministry, Jan. 2016, link: shorturl.at/BIKV8

19-Buttery, E.A., & Wang, Y.H. (1999), “The development of a guanxi framework”, Marketing Intelligence and Planning, Vol 17, No 3, pp.147-154.

“China’s Belt and Road Initiative: 5 Years Later,” posted by Bloomberg Markets and Finance, February 3, 2019, https://www.youtube.com/watch?v=Z0iMgoFPnDw

20-Child, J. (1994), Management in China During the Age of Reform, Cambridge University Press, Cambridge. shorturl.at/lsAQV

21-Child, J., & Tse, D. (2001), “China’s Transition and its Implications for International Business”, Journal of International Business Studies, No 32, pp. 5-21.shorturl.at/lsAQV

22-Cunningham, R.B., & Sarayrah, Y.K. (1993), Wasta: The Hidden Force in Middle Eastern Society, Praegar, Westport, Connecticut: Cunningham, R.B., & Sarayrah, Y.K. (1994), “Taming Wasta to Achieve Development”, Arab Studies Quarterly, Vol 16, No 3, pp. 29-39.

23-Perlez, Jane, “President Xi Jinping of China Is All Business in Middle East Visit”. The New York Times, January 30, 2016. shorturl.at/epF69

24-Li, J., & Wright, P. (2000), “Guanxi and the realities of career development: a Chinese perspective”, Career Development International, Vol 5, No 7, pp. 369-389.

25-Littrell, R.F. (2002), “Desirable leadership behaviours of multi-cultural managers in China”, Journal of Management Development, Vol 21, No 1, pp. 5-74.

26-Marcus, Jonathan. “The ‘globalisation’ of China’s military power”. BBC, February 13, 2018.https://www.bbc.com/news/world-asia-china-43036302


27-Su, Alice. 2016. “‘Let’s not Talk Politics’: China Builds Middle East Ties Through Business”. Al-Jazeera America, 20 February 2016. shorturl.at/cfovS

27- 35,860 Chinese nationals in Libya evacuated: FM. http://en.people.cn/90001/90776/90883/7306385.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى