مسارات التوافق الوطني وآمال الشارع بمرحلة جديدة نحو الوحدة

يتابع الشعب الفلسطيني تطورات التوافق الوطني الذي أعقب لقاء العاروري الرجوب، وما تلاه من مؤتمر الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية وما صدر عنه من بيان ختامي وما قيل من كلمات، حيث شكل عقد هذا المؤتمراستمراراً لتطور العلاقة بين حركتي فتح وحماس، وتكثيف التواصل بين قيادات الحركتين، إضافة للفعاليات الشعبية المشتركة في غزة والضفة والشتات، ثم اللقاء الوطني في رام الله الذي حضره ممثلون عن حركة حماس والذي أعلن فيه الرئيس عباس نيته عقد لقاء للأمناء العامون للفصائل، وما تم مؤخرا من لقاء وفدين قياديين من حماس وفتح في إسطنبول، وما صدر عنه من بيان مشترك، ما يؤكد أننا أمام مسار أكثر جدية من المسارات السابقة.
في جملة التوافقات الوطنية بين الفصائل المجتمعة كان الاتفاق على ثلاثة مسارات هي :
- لجنة وطنية موحدة في الضفة الغربية تكون مسؤولة عن تطوير وقيادة المقاومة الشعبية وصولا لانتفاضة شاملة، وقد ذكرها عباس بشكل مباشر في نهاية المؤتمر.
- مسار الاتفاق على تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تشمل الكل الفلسطيني ويتم بناؤها على أسس ديمقراطية وشعبية بالتمثيل النسبي.
- مسار إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة والوحدة الوطنية.
وقد تم التوافق على سقف زمني مدته خمسة أسابيع بغية تحقيق إنجاز سريع في هذه الملفات، ويشكل الاتفاق على تشكيل لجنة مرجعية لقيادة مسار المقاومة الشعبية والمصالحة الوطنية العملية في كل من حركتي فتح وحماس، وكذلك تشكيل قيادة وطنية عليا لإدارة المقاومة الشعبية وتحديد برنامج على الأرض للمشاركة فيه، في الضفة والقدس والقطاع والشتات تطورا جديدا مختلفا عن المراحل السابقة.
يترقب الشارع الفلسطيني نتائج حقيقية على الأرض بعيدا عن التكتيك المرحلي المرتبط بأحداث محددة، وما ينبغي أن يكون الأساس في اللقاءات هو مصلحة شعبنا وقضيتنا لا أن ينتظر كل طرف في هذا المسار تطور الأحداث بما يخدم رؤيته الوطنية، كما لا يجدر أن يكون الاتفاق والحراك باندفاع وبلا حساب وتحت الضغوط الموضوعية، فالمسارات الثلاث التي تم التوافق عليها هي مسارات استراتيجية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهي كفيلة إذا ما نجحت بالخروج بالقضية من هذه المراوحة في المكان الذي نعيشه منذ سنوات في الضفة وغزة والخارج، فالتوافق الوطني هو الأرض التي يقف عليها مشروع تطوير المقاومة في الضفة وهو تاريخ المقاومة ومستقبلها، وليس مجرد تكتيك يهدف لتحريك المفاوضات.
تبرز أيضا منظمة التحرير الفلسطينية كموضوع في غاية الأهمية، وهو هدف متفق عليه فصائليا، ينبغي العمل على إصلاحه ليكون مظلة الشراكة الوطنية، كما أن هذا الموضوع يحمل أهمية خاصة، ويزداد الأمر أهمية في ظل توقعات بغياب مفاجئ للرئيس عباس، وبالتالي فإن ترتيب البيت الفلسطيني سيتم بعيداً عن التوافق الوطني في ظل غياب حماس والجهاد عن المنظمة، وربما يفتح بابا جديدا من أبواب الانقسام الفلسطيني.
ينبغي أن تدرك حركتي حماس وفتح أنهما حركتان لا يسهل إسقاط أحدهما للأخرى، فالتجربة والاستقراء وفهم حقيقة الواقع يؤكد أن الفصيلين كان لهما خيارات للصمود في ظل ما مرتا به من مراحل صعبة سابقا، مع إمكانية تحولهما إلى نسخ أخرى تتناسب وطبيعة كل فصيل سواء من بوابة شكل السلطة التي يديرها أو شكل توجهه الفكري وكيفية انخراطه في المشروع الوطني. وإذا كان لدينا فرصة لنحاول أخذ الأموربالاتجاه الصحيح بالتوافق والاتفاق، فلماذا نستسلم ونترك الدفة للاتجاه السلبي الذي نعلم جميعاً أنه سيحظى بدعم ومؤازرة الاحتلال والأمريكان والعرب، وقد علمنا جميعاً تأثيره المدوّ على الوضع الفلسطيني عامة ووضع غزة والضفة خاصة.
بخصوص المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام الذي راوح مكانه منذ سنوات، يعتبر الملف الأصعب والأكثر تعقيدا، والتحدي الحقيقي أمام الفصائل، لكن قد يكون التقدم فيه سلسا إذا حصل تقدم في مسارات الانتفاضة الشعبية وبناء منظمة التحرير، وإذا تم التوافق على إجراء الانتخابات، والتقدم فيه يشكل خطوة كبيرة في إحداث تغيير جوهري في الوضع الفلسطيني، لتعطي الانتخابات كل فصيل حجمه وتنهي عهد التفرد والهيمنة على كل المؤسسات الفلسطينية.