ضباب المواجهة في زمن الضفّة الغربية!

ساري عرابي عربي 21
ثمة حياة طبيعية في فلسطين عموما، لا في الضفّة الغربية فحسب. الناس يتجهون إلى أعمالهم، وينصبون أسواقهم، ويقيمون أفراحهم. لا ينبغي أن يكون الشعب الذي يتعرَّض للاحتلال على نحو آخر. نعم، يمكن الوقوف عند الكثير من أنماط الاجتماع، التي تتأثّر بالبنى التحتية والسياسات العامّة التي ترفع من العوائق أمام المسؤولية التاريخية في مواجهة الاحتلال، بيد أنّ من ضرورات هذه المواجهة امتلاك مقوّمات الصمود، وأسباب الحياة، ودواعي الفرح.
الشيء غير الطبيعي الذي ينغّص هذه الحياة، هو الاحتلال وسياساته. أمّا أنماط المواجهة فهي محكومة بظروفها التاريخية وشروطها الموضوعية، وتبقى من مسؤوليات القوى المنظّمة العمل على تغيير تلك الظروف والشروط، لجعل عملية المواجهة أقلّ صعوبة، وأكثر قدرة على دمج أوسع للجماهير والشرائح الشعبية، وأكثر كلفة على الاحتلال، إلا أنّ اختلال الشرط لا يعني بالضرورة امتناع أنماط أخرى من المواجهة تتكيف مع الشروط الصعبة القائمة في الواقع. وتظلّ المشكلة، والحالة هذه، الارتكاس في القياس على نماذج تاريخية، الأمر الذي يحول دون القدرة على ملاحظة حقيقة المواجهة.ط
ثمة حياة طبيعية في فلسطين عموما، لا في الضفّة الغربية فحسب. الناس يتجهون إلى أعمالهم، وينصبون أسواقهم، ويقيمون أفراحهم. لا ينبغي أن يكون الشعب الذي يتعرَّض للاحتلال على نحو آخر. نعم، يمكن الوقوف عند الكثير من أنماط الاجتماع، التي تتأثّر بالبنى التحتية والسياسات العامّة التي ترفع من العوائق أمام المسؤولية التاريخية في مواجهة الاحتلال، بيد أنّ من ضرورات هذه المواجهة امتلاك مقوّمات الصمود، وأسباب الحياة، ودواعي الفرح.
الشيء غير الطبيعي الذي ينغّص هذه الحياة، هو الاحتلال وسياساته. أمّا أنماط المواجهة فهي محكومة بظروفها التاريخية وشروطها الموضوعية، وتبقى من مسؤوليات القوى المنظّمة العمل على تغيير تلك الظروف والشروط، لجعل عملية المواجهة أقلّ صعوبة، وأكثر قدرة على دمج أوسع للجماهير والشرائح الشعبية، وأكثر كلفة على الاحتلال، إلا أنّ اختلال الشرط لا يعني بالضرورة امتناع أنماط أخرى من المواجهة تتكيف مع الشروط الصعبة القائمة في الواقع. وتظلّ المشكلة، والحالة هذه، الارتكاس في القياس على نماذج تاريخية، الأمر الذي يحول دون القدرة على ملاحظة حقيقة المواجهة.
إنّ وجود سلطة محلية بالضرورة ينعكس على مستوى انخراط الجماهير في المواجهة، ففي حال كانت السلطة مؤمنة بقضية المقاومة، وتتحرك في بيئة متحرّرة من الوجود الفيزيائي للاحتلال فإنّ المقاومة قد تتحوّل إلى نظامية، مما يعني تحييدا واقعيّا لشرائح واسعة غير قادرة على الاندراج في هذه البنية النظامية وغير قادرة على العمل من خارجها، وهو الأمر المتحقّق في قطاع غزّة، حيث تمثّل حالة المقاومة نوعا من الإعداد على حافّة المواجهة، التي أخذت شكل الحروب مرّات عديدة.
وفي حين يختلف الظرف في الضفّة الغربية جوهريّا، من حيث السلطة ورؤيتها، ومن حيث حضور الاحتلال الفيزيائي وقدرته، فإنّ عامل السلطة المحلية في تحييد شرائح واسعة عن المواجهة حاصل بالضرورة، ولكن على نحو مختلف، وهو ما يفسح المجال، في لحظة تعبئة تاريخية بدأت مع حرب 2014 وتجدّدت مع معركة “سيف القدس” في 2021، لحالة كفاحية بسمات متنوّعة، تتّسم بقدر من الاستمرارية، لتكون مشهد المواجهة الوحيد بين فترات سكوت الحرب في غزّة. إلا أن مشهديّة الحرب أضخم، وأكثر استدعاء للتركيز الإعلامي، الذي يفتقد القدرة أو الإرادة، للتعامل مع هذه الحالة بالكيفية التي تستحقها.
يبدو من كثير من النقاشات السياسية، حتى مع مختصّين بالشأن الفلسطيني، نوع من القصور النظري، إما في استيعاب التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني، أو الوعي الدقيق بالمعطيات القائمة في الواقع، وإلا كيف لا يمكن ملاحظة أن ما يجري في ساحة الضفّة الغربية؛ أكبر من أي وقت مضى منذ انتهاء انتفاضة الأقصى، وأكبر من حيث الكمّ على الأقلّ ممّا كان عليه الحال ما بين تأسيس السلطة وقيام انتفاضة الأقصى؟
لا يمكن والحالة هذه وصف الجماهير بالسلبية، لأنّها مثلا لم تعترض في فعاليات صاخبة على سياسات احتكار منظمة التحرير، فللجماهير، كما يتضح من فعلها التضحوي، اتجاهاتها الخاصة، وهي اتجاهات تفيد بإمكان البناء عليها واستثمارها. والمسار المنفتح من هذه الاتجاهات هو المسار الوحيد المتسم بالحركة في الواقع، وبالرغم من ذلك نجد من يصف الدعوة للكفّ عن المسارات السياسية غير المجدية للاستثمار في هذا المسار بالعدمية والجمود!
لا شكّ أن العقبات كثيرة في الواقع وضخمة، لكن معالجتها ليس بالاستجابة لشروطها، بل بالعمل على تجاوزها أو التحايل عليها، وذلك بمعرفة كاملة للعقبات، بما في ذلك العقبات الذاتية، وتحديد صحيح للأولويات، وإخلاص كامل للمسؤولية التاريخية وما تتطلّبه من برامج وأدوات وتعزيز لصمود الناس واستثمار في الميدان الفعلي وأهله واستعداد للهبّات المتجدّدة، والتي قد تكون أقربها في رمضان الموافق لنيسان/ أبريل القادم.