انطباعات ومفاهيم خاطئة حول علاقات حماس الإقليمية والدولية

خالد القدومي ممثل حركة حماس في إيران
في ظل ما يدور من حوار حول عودة العلاقة مع سوريا، وطبيعة العلاقات السياسية لحركة حماس مع كل من إيران وسوريا وحزب الله، وجدت وفق فهمي بعض التوصيفات الخاطئة لمنطلقات الحركة في علاقاتها. لذلك أضع بين أيديكم ما اسميتها انطباعات ومفاهيم خاطئة حول علاقات حماس الإقليمية والدولية، وخصصت فيها موضوع العلاقة مع إيران وسوريا.
ودون مقدمات سأذكر المفهوم وأعلق عليه.
علاقة الاضطرار وتنسب عادة للعلاقة بين حماس وإيران، أو حماس وحزب الله. وفي ذلك مسألتان:
الأولى: أن البعض يسوقها تبريراً حتى لا يُغضب المخالفين للعلاقة مع إيران ومع أصدقائها في المنطقة من دول ومؤسسات.
الثانية: أن البعض اشتبه عليه حقيقة موقف الحركة من مكونات العالم الإسلامي بالتحديد وعلاقات الحركة بشكل عام.
في حين أن في استراتيجيات الحركة، تأتي العلاقة مع إيران في إطار تحفيز الأمة الإسلامية بكل مكوناتها على أداء دورها وواجبها اتجاه فلسطين، وكذلك في إطار أدبيات إيران المعلنة والمشتركة مع الحركة في مواجهة وإزالة الكيان الصهيوني. وعندما بدأت العلاقة في ١٩٩١ كانت لازالت علاقات الحركة نسبياً لابأس بها مع العالم العربي.. ولم يكن هناك اضطرار بل برنامج مهدّف وواضح، وكان موجهاً ضد مشاريع التسوية التي بدأت في المنطقة وتأكيد وتقوية مشروع المقاومة. وكان لازال الدعم الإيراني المادي غير معروف والدعم الشعبي العربي والإسلامي في أحسن أحواله.
العلاقة مع إيران لأجل الدعم المالي: ومع أن الدعم المالي الإيراني يكاد يكون المصدر الرسمي الوحيد والمعلن للحركة، إلا أن المصالح المرجوة والحاصلة من العلاقة، تتسم بالأفق الاستراتيجي، سواء لصالح طبيعة الأحلاف المرجوة إقليمياً ودولياً في سبيل امتلاك القوة المعنوية والمادية، وفي هذا حديث تفصيلي لا يخفى على الأخوة الأكارم. في المقابل ما الذي يمنع حتى لو كانت الأمة الإسلامية كلها داعمة للحركة من أن تتقبل الدعم أيضاً من إيران؟ بل هو الواجب كما أسلفت.
يمكن قبول العلاقة مع إيران على أنه اضطرار وأما سوريا فلا فائدة ترجى منه خاصة في ظل الدمار والفشل السياسي الحاصل: كما أسلفت فإن مفهوم الاضطرار والمصالح المادية البحتة ليست الهدف الأوحد للعلاقات السياسية، وعلى الرغم من ذلك فإن دولة من دول الطوق لا يمكن استثناء العلاقة معها مهما كان من يحكمها، وإن النفع السياسي والميداني والإمدادي المرجو متحقق أيضاً في ذلك. يضاف إلى ذلك تغيير المعادلات الإقليمية والدولية وما يحصل من إعادة تدوير الزوايا على مستوى الإقليم بين الأطراف المتقاتلة سابقاً والتي عادت إلى بعضها وتعود مؤخراً. لسنا دولة وإنما مفهوم امتلاك القوة يقتضي إعادة ترتيب أوراق المقاومة وانسجامها في مواجهة العدو، ولعل ذلك أيضا ما يمكن تصوره من مثل هذه العلاقة.
النظام السوري نظام علوي كافر: لم يكن في أدبيات الحركة على الإطلاق أي من هذه التعريفات الطائفية والمتطرفة، اتجاه أي دولة للحركة علاقة معها، ونظرة الحركة الحقيقية للعلاقة مع سوريا، أنها إحدى دول الطوق الرئيسية التي تحمل روح المقاومة، وما يمكن أن يشكله ذلك من ضغط حقيقي على العدو الصهيوني، والدعم الذي قدمته الدولة السورية أثناء وجودنا هناك لا يخفى على أحد من المعنيين، سواء على مستوى النقل والمدد أو تبادل الخبرة في مجالات كان لها الفضل في تطور أداء الحركة عسكرياً لاحقاً ضد العدو الصهيوني، ولعل بعض ذلك المدد لازال في حوزة المقاومة حتى اللحظة، وغير ذلك مما لا يتسع له المقام .. وكان ذلك كله على الرغم من الاختلاف الفكري والأيديولوجي مع الدولة، سواء لصالح علاقة الحركة بالإخوان المسلمين، أو المدرسة السياسية التي تنتمي لها الدولة السورية. أضف إلى ذلك موقف العدو الصهيوني من هذه العلاقة الذي اتسم بالإرباك والتوتر وجاء ذلك على لسان قادته، وكذلك الموقف الأمريكي الرسمي والذي تجاوز الأعراف الدبلوماسية في تعليقه ضد عودة العلاقة بين حماس والدولة السورية.
انحياز الحركة للموقف الشعبي في الأزمة السورية: إن الموقف الرسمي للحركة من الأزمة السورية هو ما دون رسمياً في أبريل نيسان ٢٠١١، وكانت الحركة لاتزال في سوريا، وبعد مرور أقل من شهر على الأزمة السورية، والتي سجلت فيه الحركة موقفها الذي يتلخص في نقاط ثلاث:
الأولى: الاعتراف بالفضل والشكر الواجب للدولة السورية تجاه ما قدمته للمقاومة ولفلسطين وللحركة.
والثانية: التأكيد على مطالب الشعب التي لابد من مراعاتها.
والثالثة: التصور لحل الأزمة والذي انبنى على نقاط ثلاث، رفض الحل العسكري، رفض التدخل الأجنبي (وهنا كل الأجنبي) والتأكيد على أن الحوار السوري السوري هو الطريق الأصيل والوحيد للخروج من الأزمة.
إلا أن ما حصل فعلياً، هو تجاوز البعض لهذه الوصفة المجمع عليها مؤسساتياً، وإحراج الحركة بسبب انحياز هذا البعص إلى هنا أو هناك. أو التدخل العسكري لصالح أحد الأطراف أو أي صورة من صور تجاوز المحددات التي وردت في البيان.
في ذات الوقت لا يخفى أبداً على كل منصف، أن الحركة انتصرت لمبادئها التي تؤمن بها، ودفعت مقابل ذلك ثمناً باهظاً لاتمن به على أحد، وما مغادرتها لسوريا إلا لأنها لا تريد لأي جهة أن تقحمها في أتون فتنة لا يعرف أحد نهايتها إلى اليوم. وفي السياسة الخارجية العامة للحركة، وفي تصريحات قياداتها وأدبياتها ما يدل تماماً على انتمائعا للشارع وللشعوب، وإنما ضمن منظومة عدم السماح لأنفسنا في الدخول ضمن معارك داخلية للقطر الواحد أو بين الأقطار على مستوى الأمة. ولا يزال موقف الحركة الرسمي للأزمة في سوريا يشكل خارطة طريق بمكوناته الثلاث لكل من يريد أن يتقدم بحل منصف لها.
أن النظام السوري أو حتى الإيراني بحاجة للعلاقة مع الحركة أكثر من احتياج الحركة للعلاقة: وفي هذا بعد عن الحقيقة وفوقية غير محمودة، وليس المطلوب هنا ضعف الثقة بالنفس ولكن الواقعية هي الأساس. بلا شك أن الحركة ليست في جبال أو كهوف معزولة، بل كل من يقف إلى جانبها ويساند موقفها فإن لديه بطاقة قوة محكمة، إن وفقه الله لذلك.. ومن لم يوفقه لذلك فعليه مراجعة حساباته.
في المقابل فإن أهداف الحركة للعلاقة مع سوريا وإيران، والمصالح المرجوة منها قدم فيها أوراق ولا ينبغي أن تغيب عن ذهن الكرام هنا. كذلك فإن مخرجات الورش التي أنجزتها الجهات المختصة، والتي قدمت للقيادة كان من نتائجها، اتخاذ القرار المجمع عليه قيادياً بعودة العلاقة. وهكذا طبيعة العلاقات السياسية السوية أنها تقوم على تبادل المصالح والاستفادة المتبادلة من أوراق القوة لدى الطرفين. وإن كان بناء الأحلاف وجسر الهوة بين أطراف الأمة أحد المكونات الأساسية لقوة الحركة وعقلانيتها ونجاحها.
الإملاءات والضغوط: وفي ذات السياق يفترض البعض مغالطة أخرى وهي الإملاءات من بعض الأطراف الدولية على الحركة. بالتأكيد أن الحركة كائن حي يؤثر ويتأثر بمحيطه، وهي تراعي مبادئها ومصالح شعبها وقضيتها.. وحركة تقاتل على الجبهات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، تعي معنى الجغرافيا والجغرافيا السياسية والمتغير الجيوسياسي، وعليه تتخذ قراراتها التي تراعي فيه التوازن والمحكمة والمصلحة. وهذا لا يمكن أن يصنف ضمن الإملاء فالحركة ولدت حرة وستبقى كذلك.
الاصطفاف: ويقابله الاختطاف، وما أعنيه هنا أن أدبيات الحركة تؤكد تحريم (سياسياً) الدخول في أي من لعبة المحاور، لذلك فإن الاصطفاف ليس من أدبيات الحركة، وأما ما يحدث هو “الاختطاف”، بمعنى اختطاف قرارات الحركة لتفسيرها أو تحميلها ما لا تحتمل، فيحصل أحياناً *التقوقع الجغرافي* ، وأحياناً يحصل *الاصطفاف الفكري* ، أو *الاصطفاف الميداني* ،.. كل هذا ليس من أدبيات الحركة بل يحرفها عن الهدف الأصيل من توازن العلاقات، وقياس المسافة بعداً وقرباً من فلسطین والمقاومة.. ويهدف إلى تحقيق المصلحة بمفهومها الشامل للأمة ورأس حربتها في فلسطين، وليس المفهوم الانتهازي.. فنحن نرى في فلسطين عاملاً ومشروعاً موحداً للأمة، وفي عدونا الصهيوني عدواً مشتركاً يهدد الأمن الجمعي للأمة وليس لفلسطين وحدها.
في المقابل فإن أي علاقة مع أي جهة لا تعني بالضرورة مخالفتها أو موافقتها على سياسات هذه الجهة، وفي ذلك علاقات الحركة مع كل الجهات الدولية والإقليمية، وإنما الأصل في العلاقات السياسية نسجها من أجل الحوار، يستثنى من ذلك في سياسات الحركة العلاقة مع الكيان الصهيوني.
أولوية الدم الفلسطيني: ولا يقول به إلا مجحف ومنكر للمواقف الأخلاقية والمبدئية التي اتخذتها الحركة تجاه ماحدث في المنطقة من أحداث، وما قدمته من تكلفة سياسية باهظة بسبب احترامها للمواقف الشعبية، وحتى لا تكون شريكة في سفك دم مسلم أو غير مسلم في أي تجاه.
النظام السوري عدو كالعدو الصهيوني: وهنا يقع انحراف فكري كبير، ومنه أن ما حدث في فلسطين اغتصاب للأرض والمقدس وقتل للإنسان وتهجيره قسرياً، وفرض معادلات دولية كان من نتائجها الاحتلال لفلسطين وغيرها من الدول العربية والإسلامية، على أن الاحتلال الوحيد الذي بقي اليوم هو الاحتلال الصهيوني، وبقي الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد الذي يقع تحت الاحتلال عالمياً. ولا يوجد جريمة تقاس بجريمة سلب الحرية. وأما ما حدث في المنطقة فهو تضارب إرادات محلية وبمحض اختيار من أبنائها لتقرير مصيرها، فيما يمكن أن يؤدي إلى التغيير الذي ينشده البعض، وقابله طرف آخر بيده السلطة الواقعية، ويمكن أن يصل إلى مصطلحات الفتنة، والحروب الأهلية والانقلابات وفي أحسن تقدير إلى مفهوم الثورة ضد الأنظمة القمعية، وهذا المفهوم لم يكتمل في أي قطر من الأقطار العربية خلال أحداث الربيع العربي حتى اللحظة، بل إن حال الأمة العربية اليوم في أكثر بلدانه، يصدقه قول الشاعر العربي “دعوت على عمرو فمات فسرني، فعاشرت أقواماً بكيت على عمرو”..وفي نفس الوقت لا يجرنا ذلك إلى إنكار آلام أبناء الأمة، إلا أن قراءتنا تؤكد مسرح الفتنة، والتي لابد من تعليق الاقتتال وتوجيه البوصلة نحو إنهاء سفك الدم وليس مواصلة إهراقه بين أبناء الأمة ممن نوافقه أو نخالفه في الرأي وفي الموقف.
أما الحقيقة التي لابد من احترامها واستيعابها في تاريخ حماس، وهي أن ذلك الطالب النجيب من أبناء الحركة الإسلامية، الذي بز أستاذه، فواجه قوى الاستكبار في حروب كونية، ووضع معادلات حرب وسلام يحترمها العالم، وانتصر في معركة سيف القدس ليمرغ أنف “إسرائيل” بالتراب، وأصبح رقماً صعباً في معادلات الإقليم، وعلى المسرح الدولي.. هذا الطالب أو المريد كان كل أساتذته يقفون إلى جانبه ويدعمونه..وفي لحظة تاريخية اهتبلها الأستاذ ليخوض ثورة أو ربيعاً عربياً، أصبح على ذلك الطالب المتقدم في معركة حماية الأمة، أن يقف احتراماً لأستاذه الفاشل سابقاً والمتخبط حالياً، وأن يصبر على تراجع مشروعه الذي هو مشروع الأمة في أدبياته وأدبيات أستاذه.
لم يندم ذلك الطالب على انتصاره لمبادئه وأخلاقه التي تربى عليها، إلا أن المشكلة تكمن في ذلك الأستاذ الذي أصبح يعتبر كل الخطوات السابقة التي كان يقوم بها الطالب وكان الأستاذ يعتبرها سياسة وحنكة وانتصار.. أصبح ينظر لها على أنها خطوات ضد مشروعه المحلي، فيصبح النظام الفلاني أكثر إجراماً من الكيان، ويصبح شعاره “ما في دم أحسن من دم”، وكل يغني على ليلاه..
لقد أخطأت كثير من قوى التغيير في موجة الربيع العربي عندما لم تضع في أولى أولوياتها مواجهة المشروع الصهيوني، وأنها تخوض حرب تحرير لا معركة حكم، وكان عليها أن تنسق جهودها جميعاً بحيث تتكامل بين مواجهة الاحتلال ومواجهة الفساد والاستبداد.
والسؤال، هل مازالت فلسطين تشكل أولوية للأستاذ؟ وهل مازال الأستاذ يحلم بالأمة؟ وهل هناك أمة ولديها مشروع نهضة؟ وما المطلوب يا أستاذ أكثر مما قدمه طالبك النجيب؟
لازالت حركة حماس متمسكة بنظريتها في أن فلسطين هي حلقة الوصل وقنطرة النصر بين أطراف الأمة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم ومدارسهم الفكرية. وترى أن الحوار وفقط الحوار بين هذه الأطراف هو السبيل إلى عودة الأمة إلى عزها ونصرها.