أخر الأخبارالقضية الفلسطينية

إسرائيل بين سياسة خنق السلطة ومنع انهيارها

سليمان أبو ارشيد عرب48

جنبا إلى جنب مع تصاعد التضييقات والضغوطات الإسرائيلية عليها مع تولي حكومة سموتريتش – بن غفير برئاسة نتنياهو، تزداد التخوفات الإسرائيلية، أيضا، من انهيار السلطة الفلسطينية. والمفارقة أن الحديث لا يدور بالضرورة عن معسكرين إسرائيليين، الأول معني بوجود السلطة الفلسطينية، ولذلك هو يتخوّف من انهيارها، والثاني غير معني بوجود السلطة الفلسطينية، ولذلك يصعد من ضغوطاته عليه ليؤدي إلى انهيارها، بل إن هناك إجماعا إسرائيليًّا على الحفاظ على السلطة الفلسطينية كوكيل أمني لإسرائيل، وسلطة حكم ذاتي للفلسطينيين.

ويتمحور الخلاف الإسرائيلي بين من يعتقدون أنهم قاموا بـ”عصر” الفلسطينيين ككيان سياسي، بمعنى التهميش والإفقار والابتزاز والإهانة الوطنية… إلى الحدّ الأقصى المحتمل، بينما يعتقد الآخرون القادمون حديثا إلى الحكم، أن السابقين تعاملوا مع الفلسطينيين بقفّازات من حرير، وأنهم هم فقط القادرون على فرض منطق التسيّد عليهم.

صحيح أن بن غفير وسموتريتش لا يخفيان مخططات تيار الصهيونية الدينية الذي ينتميان إليه في ضمّ الضفة الغربية، أو أجزاء واسعة منها، تحقيقا لرؤيتهما المتمثلة بالسيطرة على كل فلسطين التاريخية، ولكنهما أيضا لا يريدان عودة الاحتلال العسكري المباشر لمدن الضفة الغربية، ويرغبان بالتنسيق الأمني الذي تؤديه السلطة الفلسطينية، رغم سعيهما إلى المزيد من تهميشها، وتقليص حدود صلاحياتها وتأثيرها السياسي.

هو خلاف على القدرة والمدى الذي يمكن فيه شدّ الحبل على عنق الفلسطينيين دون أن ينقطع، وهو يدور بين السياسيين وبين المهنيين والميدانيين الأكثر قربا وإحساسا بالوضع الفلسطيني ونبضه الداخلي. وفي هذا السياق يرصد هؤلاء تعاظُم عمليات المقاومة من إطلاق نار وغيرها في داخل الضفة الغربية، مثلما يحصون بؤر التوتر التي يرونها تمرّدا على سلطة السلطة الفلسطينية، ويعتبرونها مؤشرا على مدى ضعفها وقدرة صمودها.

محلّل الشؤون الأمنية في صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان، كتب في هذا السياق، أن الضفة الغربية على حافة الانفجار، بسبب تفكك السلطة الفلسطينية، وبسبب السياسة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن حادثة إطلاق النار على حافلة الركاب الإسرائيلية التي وقعت في الخليل، هي الثانية خلال أسبوع التي ينفذها أحد عناصر أجهزة الأمن الفلسطينية.

ميلمان أورد أن معطيات الجيش والشاباك، تشير إلى أن سنة 2022 سجلت ارتفاعا بنسبة 400% في حوادث إطلاق النار، باتجاه المركبات والحواجز ونقاط الحراسة الإسرائيلية عن سنة 2021، وكذلك إلى ازدياد في أعداد القتلى من 18 إلى 29 قتيلا.

علامة استفهام كبيرة حول استمرار السلطة الفلسطينية، يضعها الكولونيل المتقاعد يديد باروخ في مقال نشره مؤخرا، يرسم فيه صورة واضحة لحالة فقدان السلطة لشرعيتها الآخذة في الازدياد، وهو يعتمد، كما يقول، على لقاءات أجراها مع قادة في السلطة الفلسطينية، وفي حركة فتح، ومصادر مطلعة أخرى في الضفة الغربية.

ويضيف ساخرا أن التقرير الطبي للسلطة يزخر بالبنود المرضية، والبند المدعو “أفقا سياسيًّا” ليس بين بنوده الرئيسية، فيما ينقل عن شخصيات فلسطينية بارزة تشكيكها بقوة ومكانة واحتمالات بقاء السلطة الفلسطينية، لعدة أسباب، أهمها التطورات الفلسطينية وتصاعد قوة حماس، وفقدان الثقة بمؤسساتها من قِبل الشارع الفلسطيني، والخلافات السياسية الداخلية، على حدّ زعمه.

لكن مثلما تراوح السياسة الإسرائيلية في تردّدها بين خنق السلطة الفلسطينية وبين إنعاشها بواسطة التنفس الاصطناعي، لتؤدي الدور المطلوب منها إسرائيليا، كذلك يراوح الموقف الفلسطيني بين الانتقاد الجارف للسلطة الفلسطينية، وبين غريزة الحفاظ عليها بصفتها التجسيد الفلسطيني لإقامة سلطة وطنية في مناطق 67، أو جزء منها، تحظى باعتراف دولي، وينظَر إليها كدولة على الطريق.

وفي كل الأحوال، إن إسرائيل تدرك أنها تدخل مرحلة جديدة، أو أنها بلسان الجنرال يعقوب بنجو، في مقال نشرته “معرخوت”، تنهي مرحلة أمنية ذهبية دامت أربعة عقود، رغم وقوع انتفاضتين وحربين على لبنان خلالها، وذلك لأنها حظيت خلالها بثلاثة امتيازات لن تحظى بها بعد اليوم، تمثَّل الأول بمواجهتها لتهديد أمني محدود، والثاني بدعم أميركي ثابت، والثالث بوحدة داخلية إسرائيلية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى